في سنة ١٩٣٦، عندما سجل الاستعمار الفرنسي النقاط الأولى في تراجعه أمام قوة الحركة الوطنية الصاعدة في سورية وأخذت غيوم الضغط والإرهاق الدكناء تنقشع شيئاً فشيئاً، وتحل محلها في سماء البلاد وأراضيها صور جملية من الدنيا الحرية والاستقلال، في تلك السنة جمع المعلمون أمرهم وشكلوا هيئة لهم تنطق باسمهم وتسعى لرفع مستواهم الأدبي والمادي، وتعمل في سبيل إصلاح برامج التعلم، والقضاء على الأوضاع العائقة لسبل التقدم والتطور، تلك الأوضاع الرديئة التي صنعها الاستعمار، وفرضها فرضاً لخنق الروح الوطنية في الطلاب. ولكن ما أضيق نظرة الاستعمار_والحمد لله_فقد محقت عن ذهنه المتكالب، تلك الحكمة البسيطة المعروفة كثرة الضغط يولد الانفجار فلا نكران، أن من جملة الأسباب التي حررت بلادنا من ربقة الأجنبي دماء أولئك السباب الذين كانوا طلاباً في ذاك الدور الاستعماري الآفل الذي، يذكر ولا يعاد، وإن ذكر فللتاريخ فقط.
في تلك السنة تشكلت أول هيئة للمعلمين، وأخذت تعمل في شيء من الحرية وحققت بعض ما يصبوا إليه الزملاء. ولكن لم أنكر المستعمر من جديد، حقوق الأمة، واسترجع سلطنته المباشرة، طغت في شرق البلاد وغربها موجات الطغيان والاستبداد، وأعيدت الحرية إلى القفص، وشد الاستقلال الذي بدا يدب، بالقماط. فشتت الجمعيات والهيئات وشلت حركتها وحد من نشاطها. فتعطل عمل هيئات التعليم، لا سيما في زمن حكومة المديرين وعهد الفاشيين.
ولما ظفرت سوريا ببعض حريتها سنة ١٩٤٣ واعترفت الدول الكبرى باستقلالها، عادة هيئات المثقفين إلى نشاطها، موفورة المادة والكرامة. وكانت هيئة التعليم الابتدائية في طليعة تلك الهيئات. فجمع شمل أسرة التعليم في سورية قاطبة. وبدأ العمل أولاً في سبيل تعديل المرسوم الاشتراكي_١٦٣_فعدل المرسوم المذكور بعض مجهود دام سنة ونصف السنة، بالقانون (٦٠) الذي أنصف أسرة التعليم بعد الأنصاف. وأقامت هيئات التعليم عدة مؤامرات في حمص وحماه واللاذقية دمشق. وكان أهمها مؤتمر حماه، حيث أجتمع فيه مندوبون عن جميع هيئات المحافظات، وانقسم المجتمعون إلى لجان، درسوا نواح متعددة.