خلقت لبنان جنّات النّعيم وما ... نبئت أنّ طريق الخلد لبنان
حتّى انحدرت إلى فيحاء وارفة ... فيها النّدى وبها طيّ وشيبان
نزلت فيها بفتيانٍ حجا حجّةً ... آباؤهم في شباب الدّهر غسّان
هذه دمشق التي أفتتن بها أمير الشّعراء منذ عشرات السّنين أيّام كان لاستعمار الفرنسيّ يرين على هذه الرّبوع وأيّام كانت دمشق تئنّ من جراحتها حيث تتجدّل الأبطال وتنتشر أشلاؤهم في الرّي والآكام.
في تلك الفترة أبت دمشق إلا أن تظلّ مهوى القلوب ومشوى الأفئدة - فهي غرّة في جبين الدّهر - ولن يستطيع هذا الدّهر أن يحطّم من كبريائهم أو يطأطأ من عزّها وأنفتها.
في هذا اليوم تلتمع في دمشق آلام واحدةٌ وآمالٌ واحدةٌ وكيان وطنٍ واحد. في هذا اليوم ينتصر الحقّ على الباطل فتهزم جيوش الظّلم والاستعمار حيث تعبر البحار إلى أوكارها وحيث يختفي ذلك العلَم البغيض المثلّث الألوان.
فإذا ما بدت دمشق في هذا العيد فرحةً طرويّة، فخورة مختالة، فمن حقّها أن تفتخر ومن حقّها أن تختال، فطالما زغردت في السّجون والمنافي ولطالما ذرفت الدّموع وروت الثّرى فوق قبور شهدائها، فهي تعرف حقّاً ذلك الثّمن الغالي الذي دفعته مهراً لهذا العيد وثمناً لهذا الجلاء. النّاس يقرؤون في كلّ يوم حديثاً عن السّيادة والاستقلال، ويسمع النّاس في كلّ يوم من يترنّم بالسيادة والاستقلال، فهل نحن مستقلّون استقلالاً تامّاً ناجزاً؟؟ لا ننكر أننا مستقلّون استقلالاً سياسياً ولكننا ننكر أن يكون الاستقلال السياسي وحده كلّ شيءٍ في حياة الأمم، أو الهدف الذي تسعى إليه وحده.
كم استقلّت أممٌ سياسيّاً وواتتها الأيام، ولكنّ هذا الاستقلال لم تلبث أن تنهار أركانه وتندكّ معالمه من جرّاء عاصفةٍ تنتابه أو مصيبةٍ تلمّ به، وكم وجدت بلادٌ اكتسحتها جيوش المغير