لا بد من تربية الذوق الفني العام لدا الطفل صغيراً ليتذوق الأدب وينتجه كبيراً،
إذا كان الأدب هو القول الجميل، فمهمة مدرس الأدب هي أن يأخذ بيد طلابه فيجعلهم يتلمسون مواطن الجمال في القول، وأسبابها بما عندهم من استعداد فطري وذوق فني، حتى يشعروا في أعماق نفوسهم بهذا الجمال المؤثر، تمهيداً لأن يخطو بعد ذلك الخطوة التالية، فينشئوا هم أنفسهم أدباً قوياً، يستطيعون به أن ينقلوا تجاربهم النفسية ويعبروا عن خلجات ضمائرهم، وهذا يكون برياضة أقلامهم على الكتابة في الموضوع الذي يروق لهم اعتمادهم على تجاربهم النفسية خاصة منذ سني الدراسة.
ولكن مدرس الأدب الآن لا يحاول أن يطلعهم على مواطن الحسن في الكلام، حتى يصطدم بما يشعره بالحيرة والعجز. وذلك لأنه يدرك بأن الطلاب لا يستجيبون له استجابة فنية تتسم بالصحة والقوة وبالعمق والصدق، وإنما يقفون أمامه مشبوهين، حائرين، فإن استجاب له نفر منهم بعض الاستجابة، فاستجابة سطحية، ضعيفة، مريضة، كاذبة، وهي من النوع التقليدي الذي لا يقوم على شخصية أصبح فيها التذوق الفني العميق طبعاً ودياً.
وعبثا يحاول المدرس أن يبين لهم ما في الأثر الفني من دقة في التصوير، وجمال في التعبير، وخيال رائع، وموسيقى أخاذة، ومهارة فائقة في وضع الكلمات والجمل والفقرات مواضعها، فهم لا يستجيبون له إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه، وما هو ببالغه، وقد يغرر كثير من المدرسين بأنفسهم، فيزعمون بأن الطلاب قد شاركوا الأديب في أثره الفني المشاركة الضرورية الكافية لأنهم يسمعون الطلاب يعيدون جملهم أو جمل المؤلفين الذين كتبوا عن الأديب كما هي، بما تحمل من أعجاب وتقدير أو نقد لاذع أو تهكم أو لأنهم فهموا ما في أثر الأديب من أفكار رئيسية أو جزئية هي العنصر العقلي في أثر الأديب وليست كل ما فيه من عناصر يجب مشاركته فيها، وأوجه الطلاب تنطق في غالب الأحيان بأنهم فهموا النص، ولكنهم لم يتذوقوه ولم تترنم روحهم به ترنما يدل أنه أصبح قطعة من أنفسهم، وإذا كان الطلاب عاجزين عن تزوق الأثر الفني، فهم عن فقده أعجز، والنقد مرحلة تأتي بعد المشاركة والتذوق، أما الإنتاج الأدبي فلا ينتظر منهم على أية حال لان