للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أول سمات المفتش المنتج هو عمق الإحساس الفني عمقاً يصل به غالباً على الذهول عن ما حوله والاستغراق في سكرته الفنية الخصبة وحلمه المنتج.

فلا ينتظر من المدرسة الثانوية والحالة كما ترى أن تؤتي أكلا وتكون أدباء بفضل مناهجها وأصول التدريس فيها والفضل في ظهور أدباء فينا لا يرجع إلى حالة تدريس الأدب بل إلى قوة موهبتهم الفنية وإلى بيئتهم الخاصة التي لا دخل للمدرسة بها، والتي توفر لهم فيها نمو ذوق فني كاف في مظاهره المختلفة من ذوق تصويري أو موسيقي وغالباً لا يبلغ هذا الذوق الذروة التي كان يمكن أن يبلغها لو أن مدارسنا كانت أكثر عناية بتنمية الأذواق الفنية وغرس حب الفنون في نفوسنا.

وضعف التذوق الفني والإدراك البديعي لدى الطلاب لا يرجع إلى أنهم لا يفهمون معاني المفردات أو الجمل أو المعنى العام، وإنما يرجع_في نظري_أولاً وقبل كل شيء إلى ضعف الطلاب في تذوق الفنون الجميلة الأخرى من رسم وموسيقى ورياضة، وقد يعجب القارئ من وضعي الرياضة في زمرة الفنون الجميلة، ولكن لا داعي إلى هذا العجب إذا أدركنا أهمية الرياضة البدنية الصالحة في تكوين الذوق البديعي الصحيح وسأوضح هذا بعد قليل، ونحن لا نستطيع أن نثير في نفس الطالب نفس الإحساس الفني الذي كان يخضع له الأديب حين إنتاجه أو نثير صورة مصغرة عنه إلى إذا كان الطالب بذور القوى والمؤهلات التي أجمعت، فساعدت الأديب على تصوير تجربته النفسية ودقائق حسه بعناصر كثيرة كلها تتصل بالأذواق الفنية من موسيقية وتصويرية وغيرها.

وليس عند الطالب هذه القوى والمؤهلات لتذوق الأدب والمشاركة فيه، وهم لا يستطيعون بعث تجربة الأديب جديدة في نفوسهم، لأنه لم تتح لهم التربية الذوقية الفنية الضرورية منذ صغرهم، ولم يسبق لهم أن يستشفوا بعيونهم الجمال العميق الكامن في تناسب أقسام الزهرة، وتناسق ألوانها بصورة عميقة، كما لم يوجهوا لأن يتغلغلوا بعيونهم، فيستجلوا بها ما وراء الجمال السذج السطحي الذي يدركه رجل عادي لم ينل أي نصيب بين تهذيب الذوق العام، ولو أن الطالب كان يحسن التصوير والرسم، ونميت ملكته فيها لكان له شأن آخر في إدراك الجمال، وما تقول في الجمال المدرك بالعين، والذي يمكنه أن يراضي الذوق فيه وينميه بممارسة الرسم، تقوله أيضاً في الجمال المدرك بالأذن الذي تتخذ

<<  <  ج: ص:  >  >>