الموسيقى طريقاً لتنمية الذوق فيه، فالطالب قد يقطع البيت من الشعر، ويعرف وزنه، ولكنك لا تشعر أنه متأثر بموسيقاه، وأنه أدرك الصلة الموسيقية بين المعاني بين الألفاظ، ومقدار توفيق الشاعر في انتخاب الألفاظ ذات الجرس الملائم للمعنى المقصود، ونحن لا نريد منه من أن يدرك هذا إدراكاً عقلياً، وأن يبرهن عليه، وإنما نريد أن يستطيع إدراكه بحدس الفني المكتسب بالمران، وأن تظهر عليه المشاركة العاطفية والفنية للأديب.
وما ندركه من ضعف في الذوقين التصويري والموسيقي، ندركه أيضاً في تصوير الجمال البديعي المتعلق بجسم الإنسان، فالطالب لا يزال عنده بعض التأثر بمقاييس الجمال القديمة في العهد التركي التي رضعها مع لبن أمه، فترى الطالب_أو الطالبة_ميالاً لأن يكون ممتلئ الجسم امتلاء يبعد عن الرشاقة والتناسق في الحركات وإن كان قد حصل في هذه الناحية بعض التحسن فلم تعد الأجسام الممتلئة كثير مما يجمل في الأعين، إلا أن ما يعده الطالب من الأجسام رشيقاً ويعد وسطنا الاجتماعي معه، كذلك، ل يعد رشيقاً في نظر غيرنا ممن سما ذوقهم ونما أكثر منا.
ول تخفى الرابطة القوية بين نمو الذوق العام لدى الإنسان مبين ذوقه في الحسن الجسماني، فكلاهما يؤثر في الآخر وليس من سبيل إلى تحسين ذوقنا البديعي المتعلق بالجمال الجسماني إلا الرياضة العلمية التي تقضي على مخلفات الذوق المريض القديم الذي أكتسبنا إياه عصور الاستعباد الماضية، بما كان سودها من كسل، ويفشو فسها من ترهل في الأجسام.
وأنا مع القائلين بأن الذوق في الإنسان يؤلف وحده عامة منسجمة، وأن ضعف الذوق أو مرضه في ناحية ما مدعاة للضعف في الناحية الثانية، وأن السبيل إلى تقويم الذوق العام وتحسينه، هو العناية بالفنون الجميلة جميعها، وحمل الطالب منذ دور الحضانة على تذوق الجمال، والعمل على تنمية ميوله البديعة، وتقوية إحساسه بالألوان، والتفريق بينها، وإدراك المؤتلف منها، والمتنافر، وعلى تغذية ميله الموسيقي بإسماعه القطع الرائعة، وتعلميه العزف على الآلات الموسيقية، وبدون هذه التربية الذوقية المنظمة لا يمكن أن يكون لدى الطالب أحساس بالجمال، وإدراك لجمال القول في نص أدبي لم ينتجه إحساساً عميقاً جعله يستشف بعينه، ويشمع بأذنه ما لا تراه عين الرجل العادي ولا تسمعه أذنه.