ولا يجب أن نرجع باللوم عل الطلاب إذا لم يستطيعوا تذوق جمال القول تذوقاً كافياً، طالما أنهم لم ينالوا قسطهم من العناية بأذواقهم الأخرى حينما كانوا صغاراً، وقد أدرك القدماء هذا الاتصال الموجود بين الفنون الجميلة، فأفلاطون يرى أن الأدب تصوير يقلد به الأديب الطبيعية، وأرسطو يرى أنه ليس مجرد تقليد، ولكنه تصوير فيه تحسين الطبيعة، ثم لا يسهو أرسطو على الرابطة القوية الموجودة بين الأدب والموسيقى فيعنى بالكلام عليها.
والطالب في بيئتنا لا يمكنه أن يستفيد ذوقاً فنياً كافياً صحيحاً من عائلته، ويكفينا لندرك هذا أن نرى كيف تقضي عائلته سورية وقتها في نزهة أو وقت راحة لها، وكيف تقضي نفس هذا الوقت عائلته عن أمة أخرى يهتم جماعاتها وأفرادها بتنمية الذوق الفني في صغارهم. فنحن نقضي أغلب وقتنا هذا في الطبخ وفي أكل الموالح (من حمص ولب) والأفراد الذين ل يشتركون في إعداد الطعام يجتمعون قعوداً قريباً من الماء ليلعبوا بالورق أو بالنرد حتى إذا نضج الطعام، أنضم إليهم من كانوا يعدونه فإذا انتهوا منه اشتغلوا في تنظيف الأواني، وهكذا يمضي اليوم أوجله في الأكل وملحقاته، فالذوق ذوق معده لا أكثر من هذا ولا أقل، ولن يقتبس الطفل عن أهله غيره. أما غيرنا فينصرفون في هذا اليوم عن إعداد الطعام الكثير، ويكتفون بالقليل منه الذي يسهل إعداده، لينصرفوا إلى مزاولة بعض الألعاب الرياضية الخفيفة وسماع الموسيقى أو الرقص على أنغامها فأن شذ على ذلك واحد منهم فليقف أمام لوحة وبيده ريشته ليصور مشهداً راعه، ولهذا لا نعجب إذا رأينا أكثر الغربيين يحسنون الرسم والتصوير، ويتذوقون الموسيقى بل قل أن يجهل واحد منهم العزف على آلة الموسيقى عن لم يحسن العزف على أكثر من آلة ويتذوقون_جلهم إن لم نقل كلهم_آدابهم القومية تذوقاً يشاركون به الفتن في فنه، أما عندنا فقل أن ترى ذلك، وهذا الذوق الفني البديع النامي عند غيرنا يساعد على وحدة الشعور في البلد الواحد، ويشارك في طبعه بطابع واحد، ويساعد عندنا الذوق المريض على اختلاف الأهواء وتمزيق البلد الواحد.
إن ذوقنا المريض هذا يظهر في كثير من الصور التي نعلقها على جدراننا، أو يعلقها الباعة في حوانيتهم، وتمثل القيح والسقم بكل معانيهما، ويظهر في كثير من القطع الموسيقية أو الأغاني التي نسمعها، فأكثر الناس لا يعجب بالقطعة إلا لأنها شاعت بين