يطالعنا الأستاذ المؤلّف بهذا السفر القيّم في الوقت المناسب الذي يعمل به العرب على توحيد كلمتهم وبناء قوميّتهم على أسس من العلم ثابتة ودعائم محقّقة من التاريخ، فيأتي عمله مجدياً كثير الفائدة يظهر خصائص البيئة التي انبثق فيها القرآن، عندما حملت العطفة الدينية في عصر التمخّض الأول أبناء العالم العربي على تأليف أمة واحدة تحت راية نبي الإسلام.
وقد أضفى أسلوب الكتاب الرصين وتنظيمه المنطقي، حلّة عقلية دائمة تزيّن صفحاته، فلا تكاد ترى نتيجة تقبل الجدل إلا مؤيّدة أو مستلهمة من الآيات القرآنية المتّصلة بها. ولعلّ من ميّزات المؤلّف النادرة عند غيره، اجتناب الغلو في الحكم، والابتعاد عن الإفراط في التبجّح التاريخي، والخلو من النزعة التّقريظية الخالصة فما ينتهي من تفحّص الوثائق التاريخية، ويأتي على أحكام موقوتة تريد أن تتكامل كلّما ازدادت معرفتنا بمعطيات التاريخ.
ولئن كان نجاح نهضتنا القومية يستند اليوم على الرجوع إلى أصولها السابقة، والاستيحاء من ماضيها الأول، فما أجدر من عصر النبي العربي عليه السلام أن يعرف وينار ويدرس وهذا ما مهّد إليه الأستاذ دروزه. ونحن نعتبر هذا الكتاب مقدّمة لدعوة تهيب بنا أن ندرس تاريخنا القديم بصورة جديدةحتى تتضح شخصيتنا العربية في ضوء من اليقين الإنساني والعلم الأرجح والأكيد.