كان الآباء والأمهات والمعلون والمعلمات - إلى عهد قريب - يعتقدون أن الغاية من تربية الأطفال هي شحن أدمغتهم بالحقائق التي يفرض عليهم خزنها واستظهارها.
مع أن السر في تقدم الأمم هو العناية بأمر تربية النشء تربية صحيحة مبنية على طبيعة الطفولة ومعرفة ما تحتاج إليه للوصول إلى نموها العقلي والخلقي والجسمي بطريق التشويق كي يتمكن الطفل في المستقبل أن ينمو ويعيش ويحيا حياة كاملة.
إن هذه الحقيقة دعت المربين روسو وباستالوتزي وفروبل وغيرهم أن يتطلبوا إتباع الحكمة في معاملة الأطفال وتعليمهم بطرق ترغيبية لا ترهيبية كيلا يسأموا العلم من أول نشأتهم ويحاولوا الابتعاد عن المدرسة والتجافي عن المعلمين. وعلى هذه المبادئ أسست رياض الأطفال في العالم المتمدين.
كانت سورية مفتقرة إلى رياض الأطفال وخالية منها تقريباً، إلا أن وزارة المعارف وجدت الحاجة ملحة إلى أن تعنى بهذا النوع من المدارس لأن الطفل اليوم غير طفل الأمس ولأن مطالبه ورغباته، فأحدثت منذ سنتين في دمشق روضة سمتها بـ زهرة الأطفال.
وإليك لمحة بسيطة عن روضة الأطفال بعد زيارة قصيرة قمت بها مع مفتشة المعارف الآنسة صبرية يحيى التي نشكر لها وللقائمات على الروضة معونتهن الصادقة في إخراج هذا المقال.
دخلت بهو المدرسة، فأعجبت بالصور المعلقة على جدرانه والتي تمثل الطبيعة وما فيها من مظاهر ساحرة، من حيوان ونبات، تدل على الذوق السليم والفن الجميل.
وكان الأطفال وقتئذ معتصمين في البهو من شدة البرد، يلهون ويمرحون ويقفزون ومنهم من يحاكي القطار في مشيته، ومنهم من يحاكي الحصان وسائقه، ومنهم من يلتهم قطعة من الحلوى، أو الشوكولاته، ومنهم من يقلب دميته بين يديه. والمعلمة منخرطة في زمرتهم، تشاركهم في ألعابهم وأعمالهم، تشجع ضعيفهم، وتنشط قويهم برقة وعطف ورحابة صدر، فحياة الطفل هذه بين أقرانه ومعلمته تكسبه فوائد جمة، إذ تتربى فيه العواطف الاجتماعية، ويتعود ضبط النفس وإنكار الذات، وينشأ على احترام ما لغيره من حقوق. فهو ليس في