متحف اللوفر من أحب الأماكن إلى باريس. وقد زرته للمرة الأخيرة لما رحلت منذ شهرين إلى هذه المدينة. فلفت نظري كثيرة الزحام وتدفق الناس في قاعدته وأبهائه وجلهم من الرجال التعليم والطلاب، وأدهشني الجهد الكبير الذي يبذلونه والانتباه العميق الذي يصرفونه في تفهم آثار الحضارات الماضية ومخلفات القرون الخالية. ففي الآثار الأشورية رأيت أستاذاً يشرح لطلابه خصائص النحت في عصر صارغون وبالقرب من المصطبة المصرية شاهدت مربية مسنة تحدث طالبتها عن طريقة التحنيط والدفن لدى المصريين القدماء، أمام الدرج الكبير المنتصب وسط القاعات الإغريقية_الرومانية التقيت بفئة من الأحداث قد أحاطوا بتمثال ربة النصر المعروف باسم ساموتراس يرسمونه على دفاترهم ليبقى وضعه الجميل مائلاً دوماً في خيالهم. وكذلك كان الأمر في قاعات التصوير الحديث، فهنا سمعت ملاحظة من أحد المحضرين وهم كثر، عن فنرفائيل، وأفدت نادرة عن الحياة ليونار دوفيس، وهناك طرقت مسامعي قصة أعرفها عن روبنس والتقطت المعلومات عن رامبرانت ذكرتني بما كان يحدثنا به أحد أساتذتنا عن تصوير الهولندي، في معهد الفن والآثار الباريسي منذ سنوات مضت. ولم تنته الزيارة حتى شعرت أن المتحف كبير ينبع لثقافة أثرية وفنية كبيرة وأنه مدرسة دائمة يجد فيها المثقفون لذة فكرية لا تعادلها لذة أثناء تفرجهم على نفائس الماضي.
ذكرت بأسف مرير عجز متاحفنا السورية عن مجارات المتاحف الأوربية لضعف وسائلها المادية، وخلوها في أكثر أيام الأسبوع إلا من موظفيها ومن محتوياتها. يطلع علينا في كل بضعة أيام زائر أجنبي، وفي كل شهرين تلاميذ صف من صفوف الثانوية أو الابتدائية يملئون المتحف بضجيجهم وضوضائهم. ولا يكادون يصغون إلى الدليل الوحيد المكلف بتعريفهم ما لدينا من ماديات. واهتمامنا بآثارنا غير النقولة لا يفوق اهتمامنا بما في متاحفنا، فينذر أن يسمع عن شخوص أعضاء نوادينا وجمعياتنا الثقافية إلى مناطقنا الأثرية عن عمد وعلى غبر نية النزهة وقد حدثني أحد زملائي وهو مكلف بالعناية بآثار بصرى