للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن طلاب مدرسة عالية من دمشق قصدوا مدينتنا للتفرج على آثارها النبطية والعربية وغيرها. فلم يكن لهم في برنامجنا رحلتهم إلا دقائق معدودة يقضونها داخل القلعة.

ويعلل زهد الناس في زيارة متحفنا وعدم اندفاعهم إلى رؤية أبنيتنا الأثرية التي تملأ مدننا وقرانا، بنقص الثقافة الأثرية في بلادنا وقلة شيوع النتائج العلمية التي وصلت إليها الباحثون والمنقبون بين الطبقات المتعلمين، وأنصرف عامتنا حتى يومنا هذا عن دراسة مخلفات أجدادنا المادية فإذا كان لنا عذر في تقصيرنا هذا أثناء العهد السياسي الذي سبق عهدنا الاستقلالي والذي صرفنا معتمداً عن الاهتمام بهذه الناحية، فلزام علينا وقد أصبحنا نسير دفة سفينتنا بأنفسنا أن نسعى بأقرب ما يمكن لتدارك النقص فنولي الآثار شطراً كبيراً من عنايتنا، لأن بلادنا غنية جداً بها فأطلال تدمر وبعلبك ومخلفات المدينة البيزنطية وقصور الأمويين ومساجد وقلعت الحصن والأوابد الأيوبية والجوامع التركية مضاف إلى الآثار التي تحويها متاحف دمشق وحلب والسويد وغيرها تؤلف مجموعا كبيرة يندر وجودها في بلد أخر. ومن الضروري أن ينشر باللغة العربية جميع ما عرف عنها وأن تعرف جميع خصائصها وميزاتها.

وفي الحقيقة أن الثقافة الأثرية من مقومات المدينة الحديثة وأن الفوائد المرتجاة من تعميمها بين أفراد الشعب من جانب كبير على أهمية. فهي تقدم إلى الفنانين والصناع المعاصرين مجموعة من الأشكال والنماذج جديرة بأن توحي إلى خيالهم وأن تحسن إنتاجهم بما تحتويه من دروس وعظات بالغة. ورجوع أصحاب الفن إلى الماضي لاستنطاق مألوف لدى كل الشعوب وفي كل العصور نسرد للتذكر أمثلة يعرفها كل الناس. فقد استلهم فنانو النهضة الأوربية من آثار المدينة الإغريقية_الرومانية في إيجاد فنهم العظيم الذي عاشت عليه أوربا قروناً عديدة، واستوحى إبداعيو القرن التاسع عشر في تكوين فنهم الرومانطيقي من مخلفات القرون المتوسطة، ونستفيد نحن الآن في فن بنائنا المعاصر من الآثار الأيوبية والأندلسية والتركية. وأخيراً فإن تقليد صناع الزجاج والفخار والمجوهرات والحلي والثياب وغيرهم ما أنتجه من تقدمهم في الماضي القريب والبعيد معروف شائع منذ القديم الزمان وحتى يومنا هذا.

على أن الغاية من الثقافة الأثرية ليست فحسب اجتباء نفع مادي مباشر. لأن الاشتمال

<<  <  ج: ص:  >  >>