يقول فولتير: ليس إنساناً كل من يضغط على غيره لمخالفته في رأيه والتسامح كان أبداً من صفات كبار المصلحين وعظماء الإنسانية الخالدين. أولئك الذين دفعوا عجلة التقدم وشاركوا في بناء الحضارة، أما التعصب والتزمت والاستئثار بالرأي والرغبة في فرضه على الآخرين بالقوة والتهديد والعنف، فقد كانت هذه الصفات من خصائص المغرورين المتعنتين الذين ساهموا في تقويض دعائم المدنية إلى حين، وعملوا على تهديم التعاون بين الأفراد والجماعات. والغرور مبعثه الأنانية وسلاحه ذو حدين، يرضي بحد وإلى وقت معين غرور المغرور، ويحز بالحد الآخر رقبة صاحبه. وما حوادث هتلر زعيم المغرورين في دنيا قرن العشرين ببعيدة عن ذاكرة الناس. . .
إن دارس التاريخ العربي الإسلامي، يدرك من خطبة أبي بكر في جيش أسامة قبل غزو الإسلام، وأمره الجنود باحترام الشيوخ وعدم التعرض للأطفال والنساء والرهبان، مدى اتساع المدنية التي بشّر بها الإسلام. وكذلك المسيحية في أول عهدها، أما المذابح الدينية التي حدثت في الغرب والشرق: في إسبانيا وفرنسا وإيطاليا والنمسا، سواء بين المسيحيين أنفسهم من بروتستانت وكاثوليك أو بين هؤلاء وبين المسلمين، وتعذيب وإعدام كثير من العلماء والفلاسفة الذين جاؤوا بحقائق علمية جديدة كغاليلة وبرونو وابن الحلاج وغيرهم وإذا ما أضفنا إلى هذه المآسي والمخازي، التي شوهت ناصية التاريخ القديم، معسكرات التعذيب والتقتيل والإفناء في الحروب الحديثة، لتأكد لدينا أن مبعث هذه الحوادث والفتن كان التعصب الديني أو العنصري. ولن يعد التاريخ مثيريها وموقديها من حماة الحضارة وسلالم الرقي. . .
وكذلك الجدل المتعنت، والقول الشطط، والباطل المتطاول، والتمادي في تبني هذه العلل المعوجة، ضرب من ضروب التعصب الذميم أو هو التعصب نفسه.
ومن هنا يمكن أن ننتقل إلى بحث أخلاقي في التسامح وتحديد آداب المناظرة وكيفية المناقشة مع الناس، نلقنها للصغار في درس الأخلاق أو في إحدى المناسبات، مستعينين بالوسائل والمواد التي يتعلمونها ويشاهدونها في وسطهم المدرسي. كأن يكتب المعلم مثلاً