في المقدمة الرائعة التي مهّد الأستاذ غوستاف لانسون لمؤلفه الكبير [تاريخ الأدب الفرنسي] بحث عميق عن خير المناهج العلمية في دراسة الأدب الفرنسي وإنماء الذوق. نقتطف من هذا البحث الفصل التالي:
زوّر بعض المؤلفين، في السنوات الأخيرة، صورة الأدب دراسة وتدريسا حين اتخذوه مادة لبرنامج مدرسي يجب أن يجوزه الطالب بأجمعه على كل حال، وأن يلتهمه كيفما اتفق، وبأسرع ما يستطيع، كيلا يسقط في فحصه. . . فإذا انتهى منه كما ينتهي من كل شيء في المدرسة، لم يعد يحظر على باله في حياته. وعلى هذا النحو من الحرص على تدريس الطالب كل شيء، ودراسة كل شيء، نصل إلى ضرب من المعرفة الحرفية ليست على شيء من القيمة الأدبية، ويصير الأدب بذلك إلى مجموعة جافة من الحوادث والصيغ خليقة أن تحدث القرف في العقول الناشئة حيال المؤلفات التي تصطنعها.
هذا الخطأ التربوي العميق الشائع يتصل بخطأ آخر أشد عمقا وأكثر شيوعا. فقد أراد بعضهم أن يتخذ الأدب شكلا علميا، فلا ينظر إليه إلا على أنه نحو من المعرفة الموضوعية. وليس العلم نفسه ولا العلماء أنفسهم هم المسؤولون عن ذلك. ويؤسفني أن أذكر هنارينان كواحد من أصحاب ذلك الخطأ الذي ألاحظه. فقد سجل في كتابهمستقبل العلم هذه العبارة التي أحب أن لا أرى فيها إلا صورة من حماسة الشاب الذي تغمر الطراءة بداءاته في التحريات العلمية: إن دراسة تاريخ الأدب من شأنها أن تحل محل القراءة المباشرة لآثار العقل الإنساني.
فهذه العبارة تعني أن لا مكان للأدب نفسه على الإطلاق، أو تعني أن له مكان الفرع من فروع التاريخ، تاريخ العادات أو تاريخ الأفكار.
وإنما أولى بنا أن نقف على الآثار الأدبية نفسها، نقرؤها مباشرة وعلى الفور من أن تقف على الملخصات أو الكتب التي ندرسها. فما نفهم كيف يمكن أن يغنيتاريخ الفن عن النظر إلى اللوحات والتماثيل. وأمر الأدب في ذلك كأمر الفن لأغنية فيه عن النظر إلى الأثر ذاته وهو الذي يسجل وينفض شخصية صاحبه. فإذا كانت مطالعة النصوص الأصلية ليست