شاء القدر أن يدبّ الإنسان، هذا المخلوق العجيب فوق سطح البسيطة، بعد أن هبط من سمائه، وفقد سعادته وهناءه، وشاء أيضاً أن يعيش جماعاتٍ وشعوباً، فهامَ على وجهه أما هذا اللغز الأبدي - القدر - الذي تركه يتساءل: من أين. .؟! وأين. . .؟! وإلى أين. . .؟!
انتبه فتشبّث بأذيال الوجود، ونظر فكبّل نفسه بالقيود والحدود. . . قيود اجتماعية وحياتية لابدّ منها ما دام يروم الحياة والخلد.
بيد أنّ هذا الحائر أبداً، المتسائل عبثاً، رأى حياته لا تتلوّن كما يريد وتتكيّف حسبما شاء، ورأى أنّه - من المحال - أن تكون الحياة نمطيّةً رتيبةً ينساق في تيّارها الثابت الوطيد لا يحول ولا يزول. . .
قاوم وجاهد وهيهات أن يثمر عمله، وقد شاءت الحياة أن تكيّف كلّ فردٍ كما تريد هي، لا كما يهوى، - هذا الطفل - ويحب. . . وفرضت وجوب الانسياب معها والسير في مجراها. فهذه مخلوقات الله في أرضه. وأنعامه فوق بسيطته، وجوارحه في سمائه، كلّها تسعى وتساير الحياة وتمشي معها جنباً لجنب لئلاّ تُلقى على هامشها وتنبذ كالنواة من أصلها. .
ولكن مالنا نذهب إلى السماء والأرض والأجواء ونترك الواقع حولنا؟ واقعنا المحيط بنا في كلّ لحظةٍ؟! واقعنا المريض المعذّب؟! أليس هو أحقّ الجميع بالفحص والنّقد؟!
لننظر إلى هذه الكتل البشرية حولنا، بل لننظر إلى أبناء آدم وبنات حوّاء على السواء، ألسنا نرى أنّ كلاًّ منهما يتعرّض للسخرية والانتقاد بل للهزء والاحتقار إذا حاد عن تيار الحياة وعاكس مجراه؟! أوَ لم نرَ هذه الضّحايا الخفيّة التي تذهب بها الأقوال كلّ مذهب. ذلك لأنها لم تنسب مع الطبيعة بل كانت حجرة كأداء بل صخرةً صمّاء في سبيل تقدّمها؟!
هناك ألوفٌ وألوفٌ من هذه الأجساد البشرية بل من هذه الأدمغة الحجرية التي تأبى إلا التّمسّك برأيها - الصميمي، القديم، الذي أصبح يتنافى والواقع، ويشذّ عن المحيط الحاضر، وتريد أن تنقل كلّ شيءٍ عن الماضي وعن الماضي فقط مهما تفه أو سما، دون نظرٍ إلى هذا الحاضر الذي يتطلّب تكييف النّفوس دون أن يتكيّف هو نفسه. .