للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[قصة أم]

تأليف: الكاتب الدنمركي العالمي أندرس

تعريب: الأستاذ خالد قوطرش

جثت الم على مقربة من مهد طفلها المحتضر، تراقب وجهه المصفر وعينيه المغمضتين، وتستمع، قلقة، إلى تنفسه البطيء الشبيه بالأنين، فكانت في حالها هذه

تبعث الرأفة في القلوب أكثر من المخلوق الصغير.

طرق الباب ودخل عليها شبح تزيا بزي رجل هرم، قد عضه الفقر بنابه وقوست الأيام ظهره وكلل الشيب شعره، متدثرا بدثار غليظ خشن، يرد عنه برد الشتاء القارس، وكان الثلج يعطي وجه الأرض ويجلبب الجبال والروابي بغلائل بيضاء ناصعة، والريح الزمهرير تعتو عتوا وتصفع الوجه صفعا.

نهضت الأم، بعد أن رأت ابنها قد غفا إغفاءة قصيرة، ووضعت على المدفأة أبريق شراب ليرسل الدفء في جسم الزائر الفقير. جلس الفقير الهرم على مقربة من الطفل وشرع يهلل، وجلست الأم أيضا تتأمل طفلها الشاحب المريض، واضعة يده الصغيرة بين راحتيها. ثم سألت:

- ألا تظن باني سأحتفظ بولدي! ألا تظن بأن الله الكريم لن يأخذه مني؟ فأشار الزائر، وهو الموت، إشارة برأسه، تدل في وقت معا على النفي والإثبات، وعلى حين غرة، أخذت الأم سنة من النوم، استيقظت بعدها مرتعشة، ترتجف من البرد، كعصفور لطمته عاصفة جامحة، تنظر إلى حولها، وتصيح:

- ما هذا؟!

لقد ذهب الموت بالطفل. وهناك في زاوية الغرفة ترسل ساعة الجدار عالية رتيبة، ووهلة سقط رقاصها، فلم يرفعه أحد وصمتت الساعة إلى الأبد. .

هجرت الأم الدار هائمة تنادي طفلها، فصادفتها امرأة متشحة بوشاح أسود فاحم، تفترش الثلج وتقول لها:

- أيتها الأم المسكينة! رأيت الموت يدخل دارك، ثم يخرج حاملا طفلك، يعدو عدو الريح ومن عادته ألا يرد فريسته.

<<  <  ج: ص:  >  >>