- إلى أية جهة اتجه! دليني بربك إلى طريقه. سأدركه وان خال أن المنتأى عنه واسع.
فأجابت المرأة المتشحة بالسواد:
- أعلم الطريق التي سلكها الموت، ولكن قبل أن أرشدك إليه، أريد أن أسمع الأناشيد التي كنت تنشدينها لطفلك. فأنني أحبها وأحب صوتك الرخيم. أنا الليل فطالما أرهفت سمعي إلى أغانيكن ولمحت العبرات تتماوج في مآقيك وأنت تهللين.
- آه! سأغنيها لك! سأغنيها جميعا ولكن ليس الآن. دعني الحق الموت وأجد ولدي.
سكت الليل. فبسطت الأم ذراعيها وأخذت تغني، باكية منتحبة، تنهمر من مآقيها مدامع حارة، كانت تحفظ أغاني كثيرة ولكن نفسها جاشت بالبكاء أكثر من الغناء. وأخيرا تكلم الليل:
- سيري إلى الأمام واجنحي على الغابة الظلماء، فمن هنا فر الموت بولدك وفلذة كبدك، أو غلت الأم في الغابة، مسرعة، فانتهت إلى مفرق طرق احتارت أيها تسلك ولم تبصر أمامها شيئا تستعين به على الخلاص من حيرتها الأشحيرات شائكة جرداء عديمة الورق والزهر، قد أحرقها القر ولحفها الجليد. فسألتها الأم:
- ألم تبصري الموت حاملا ولدي؟
فأجابها الشوك:
- أجل رأيته! ضميني إلى صدرك وأنعشيني بحرارة أنفاسك لأرشدك إلى طريقه.
لقد كفاني ما أعاني من البرد وما أكابد من الجليد.
فضمت الشوك إلى صدرها وأدفأته بأنفاسها فاخترق لحمها وأراق دمها. ولكن الشوك أخضر وأزهر وسط هذه الليلة الليلاء الباردة لكثرة الحرارة التي استمدها من قلب أم ثكلى.
وحثت خطاها في طريق الموت تطلب لقيانه، فبلغت شاطئ بحيرة مترامية الأطراف بعيدة الغور لا سفينة فيها ولا قارب. ولم تكن متجمدة تجمداً قوياً عاماً لتجتازها مشيا على الأقدام. ولكنها في الوقت ذاته، مضطرة إلى قطعها مهما بلغ بها الأمر لتجد ولدها. فانطرحت إلى الأرض يدفعها الحب النبوي. محاولة ابتلاع ماء البحيرة. كانت تعلم أن ذلك مستحيل ولكنها كانت واثقة أيضاً بأن الله الرحيم سيضع معجزة، فقال البحيرة: