- عبثاً تحاولين. كوني عاقلة، وإذا كنت ترغبين في مساعدتي فاذرفي الدمع سخيناً، حتى تسقط عيناك من شدة البكاء، لأني أريد أن أحصل إلى جانب اللآلئ المودعة في أعماقي، على حدقتيك البراقتين التين لا يضاهيهما أسمى اللآلئ. فأحملك عندئذ إلى شاطئي الآخر، حيث يعنى الموت بأشجار وأزهار مغروسة هناك، تدل كل واحدة منها على حياة مخلوق آدمي.
فأجابت الأم:
- معاذا لله أن أضن بشيء في سبيل ولدي!
من كان يظن بأنها تستطيع أن تبكي أيضاً وتسكب الدموع؟ ومن كان يظن؟ ولكنها بكت أكثر مما بكت، فسقطت عيناها من محجريهما واستقرتا في أعماق البحيرة، وقد تحولتا إلى لؤلؤتين ما ملكت البحيرة أكرم منهما ولن تملك.
فرفعت البحيرة الأم وإذا بها تقف على الشاطئ الآخر حيث يقوم عليه صرح يبلغ طوله فرسخاً أو أكثر، يتراءى من بعيد كدر شيدتها يد فنان ماهر أو كطود شامخ رفيع تظلله الأشجار وتعبقه الأنوار. ولكن الأم المسكينة لم تستطع أن ترى شيئاً لأنها جادت بعينيها. فصاحت واليأس آخذ منها مأخذه:
- أني لي أن أجد الموت الذي نزع مني طفلي؟
فأجبتها عجوز طيبة تجوس حول الطود وتعني بالنباتات:
- وكيف وصلت إلى هنا ومن ذلك على الطريق؟
فأجابت:
- لقد ساعدني الله الذي يساعد البائسات أمثالي. وأنت أيضاً ستشفقين علي وتساعدينني. حدثيني، أين أجد ولدي العزيز؟
فأجابت العجوز:
- لا أعرفه. وأنت عمياء لا تستطيعين أن تبصري ما في هذه الحديقة من أزهار ونباتات وأشجار، قد ذبل بعضها هذه الليلة، وسيأتي الموت بعد هنيهة ليقلعها.
إنك تعلمين ولا شك أن لكل مخلوق آدمي في هذا المكان شجرة أو زهرة تدل على عمره وهي تموت بموته.