جلس أحد الأمراء مساء يوم في شرفة من شرفات قصره المطل على البحر وأخذ يقلب نظره في مشاهد السماء وأمواج البحر، فلمح بين الصخور الشاطئ طفلاً صغيراً متمدداً على الرمال. سأل خدمه عنه فأجيب بأن هذا الولد لا يفارق الشاطئ إلا وقت النوم فتارة يرسم بيده على الرمل زوارق وأمواجاً وغيوماً، وطوراً يرسم بقطعة من الفحم على الصخور ما يراه حوله من مناظر، وكثيراً ما يدركه الليل وهو غارق في تأملاته الهادئة.
ترك الأمير مكانه وتوجه نحو الطفل ولاطفه وأعلن له ابتهاجه برسومه وقال له: لقد تأخرت يا بني هذا المساء عن أهلك، فاذهب إلى بيتك مع خادمي وغداً سأرسل إليك من يأخذك إلى المدرسة الرسم تتعلم فيه أواصل هذا الفن وتصير رساماً.
قضى طفلنا الليل ساهراً يستعرض في خياله المجموعة الأولى من رسومه الفحمية التي أثبتها على الصخور ويحلم بتصور أشكال جديدة على غرار لوحات كبار الرسامين. وما كادت الشمس ترتفع عن أفق اليوم التالي إلا وكان الدليل يرافق ديزلي إلى معهد الفنون إلى مدرسة الرسم وهناك تحققت أحلامه وأصبح رساماً يشار إليه بالبنان.
الطفل رسام بطبيعته، تستهويه أوضاع الإنسان والحيوان وحركات الأجسام المختلفة، وتجلب انتباهه الصور الواضحة الملونة التي تدل على أوضاع جذابة فيتأملها ويدفق في أجزائها ويميز علاماتها الفارقة ثم يحاول تقليدها.
فإذا وجدناه يلهو برسم بعض الصور يجب علينا ألا ننكر عليه عمله وألا نقيد حريته أو نزجره. بل علينا أن نحسن توجيهه، ونلفت أنظاره إلى نواقصه، ونشجعه على الرسم في أوقات فراغه، كلما آنس من نفسه ميلاً إليه، على أن لا يستغرق عمله في الرسم كل أوقاته وأن لا يتخذ كتبه وجدران بيته مسرحاً لرسومه الأولى.
وإذا قدر لهذا الطفل ووجد إلى جانبه مدرب مهر يصنع أمامه الأجسام والصور المألوفة وينمي عنده الذوق الفني ويقوي ملاحظته ويعوده على النظر إلى الأشياء بعين بصيرة تشبه عدسة آلة التصوير (المركزة نحو هدف معين) ويمرن يده على الرسم والتلوين ويرشده بلطف إلى اختلاف الرسم باختلاف وضع الجسم وينبهه إلى الخطأ البصر في