ففد شعر القائمون عليها، وآمنوا، بأن المعرفة جوهر الكون الإنساني ورأوا أن المدرسة ليست سوى تنظيم الحياة الاجتماعية في أسسها، وفي مستقبلها، على ضوء المعرفة والفكر، وكأنهم يرون المجتمع أصلاً وغاية، أصلاً لنزعة الإنسان نحو النجاح والتكامل، وغاية للسمو الإنساني الماثل في العقل والتمييز مع الدراية والتوي. ولولا هذا الاعتقاد لما أقدمنا على جمع الأمر وتأكيد العزم، بغية تحقيق حاجة بيئتنا العربية والسورية، ولما سمحنا لأنفسنا بجرأة افتتاح الطريق النافعة حتى يتسنى لأهل الفكر من مثقفي البلاد أن يعبروا فيها عن آرائهم، وعن أهدافهم، ويفصحوا عن آمالهم وعن جهودهم ويعبروا عن اقتراحاتهم وعن معضلاتهم، وعن ألامهم أيضاً. فهذه الجملة نشأة عن شعور بالحاجة صادق، ولا بد لها من الازدهار إذا استطاعت إرضاء الهدف السامي النبيل الذي تنشده.
إن الأمة العربية استمرار تاريخي، وحقيقة غنية، وواقع مجيد ممتاز. عرفت من عشق الخلود كل ما يصيب المتيمين. فكانت لها أيام ناصعات، وكان لها بريق وضاء. ثم رقدت. وهي تنهض اليوم عن وعي وقوة. وتريد أن تستعيد خيراً من مجدها الباهر، وجوهره ومادته لأنها تفيء إلى شخصيتها الجديدة وترى أن ناموس البقاء حقل تبغي بناء مدرستها_بالمعنى الواسع_في ربوعه. وهذه المدرسة هي رسالة المثقفين من أبنائها أنفسهم. والحق الجلي أن ننصف أسرة التعليم خاصةً، رجالاً ونساءً، أساتذة وطلاباً، ونسمهم بصفة إحقاق النهضة العربية، وأداء هذا الواجب الرائع. فهم حلقت الاتصال، وجسر التقدم.
الجاهلون، بل البسطاء، بل المنكرون والمنعوتون، يعبدون اللفظ ويمجدون المعنى. يحسبون الجسم روحاً، والمدرسة بناءً وأحجارا. ينظرون إلى المعلم ليروا فيه صورة جهلهم وجنايتهم. فيرمقوه بالنقص والعجز، ويتخذونه بمثابة العضو لأشل المبتور. وفي وهمهم أن المدرسة كيمياء العذاب. فيها التجارب الاتفاقية، وفيها الفشل المقبول. وفيها الغموض والسحر. يزدرون الصانع وما صنع ويهملون كرامة الإستاد ومستواه وحجاته المعنوية والمادية وكأنه في رأيهم أدنى من العامل والقروي والبائع والزعيم. ذنبه أن تعلم فصبا عن الجهل، وأخلص فعوقب بالحرمان والكفاف. ونحن نريد مقاومة هؤلاء جميعاً،