ستنفذ مديرية الآثار العامة في السنوات المقبلة مشروعاً كبيراً يعود بفوائد جليلة على التعليم السوري ويضفي كثيراً من الفخر على دمشق التي تبرهن في كل مناسبة على رغبتها في تحقيق كل ما يجعلها تلحق بخطوات سريعة البلدان التي تصرف تطور المدينة وتفتح الآفاق الجديدة للثقافة العالمية. وينص هذا المشروع على إنشاء متحف اتنوغرافي سوري في قصر العظم الذي استلمناه من مدة قصيرة من الفرنسيين بعد أن أقاموا فيه معهدهم الثقافي عهداً غير قليل. ولا ريب أن قصر العظم هو خير مكان ملائم لإقامة هذا المتحف لما له أهمية كبرى في تاريخ بلاد الشام ولموقعه المتوسط في دمشق القديمة حيث ستقوم قريباً أعمال عمرانية تجميلية تعيد إليها شيئاً من مكانتها السابقة.
ووجود متحف اتنوغرافي في دمشق ضرورة لا محيد عنها، لحاجتنا الماسة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مظاهر تقاليدنا وفنوننا الشعبية ولنقلها على الأجيال المقبلة وغير خاف أن الاتنوغرافيا علم يهتم بالبحث عن الدلائل المادية والمعنوية لحياة الشعب في الماضي والحاضر ويستنتج منها نتائج ثمينة تقترن وتكمل النتائج التي تصل إليها علوم الاجتماع والتاريخ وما قبل التاريخ وفقه اللغة. فغايتها إذن دراسة شعب واحد على عكس الاتنولوجيا التي تدرس مظاهر كل شعوب الأرض. ولا يخفى أن الشعب هو غير العرق ويتألف من مجموع الأفراد الذين يوجدون المجتمع ويعملون مشتركين فتنمو بينهم عاطفة الاجتماع الغامضة التي تسود كل العواطف الأخرى. ولسنا بحاجة إلى القول إن الشعب يتألف من اندماج وامتزاج عروق متعددة كشعب الولايات المتحدة وإنه يخضع في تشكله إلى ضرورات الإقليم والأرض والعوامل الجغرافية والمساكن والجو وغير ذلك. لأن الموطن هنا ينص على إيضاح الطريق الذي قطعه منذ نشوئه. وفي الحقيقة إن ماضيه مفهوم مطلق يظهر في أعماله الحقيقية ويتجلى في وحدة الإرادة والقوة الحية النازعة في اتجاه معين إلى صفة خاصة من الوجود. وما ذلك إلا لأن كل الشعوب تتكيف وتتطور حسب اتجاه خاص