يدفعها نحوه الجو والوراثة تحت تأثير خفي لإرادة يصعب مقاومتها، شأن الشجرة التي تنمو وتصعد فوق الأرض مسوقة إلى جهة قلما تتفق مع الجهات التي تندفع إليها بقية الأشجار.
وتبيان هذه الإرادة لدى الشعوب يكون بطرق شتى. فهي تتجلى حيناً في الصورة وحيناً في الكلام، وتارة في الأناشيد والموسيقا وأخرى في آثار الفاعلية العقلية واليدوية. وما صوت الشعب بحالته الحاضرة إلا صدى للأجيال المتعددة التي سبقته والتي يمكن أن تتجسم معلوماتنا عنه في أشكال محسوسة لها قيمة خالدة كبرى إذا لم تهو إلى الأبد في زوايا النسيان وإذا قام على صيانتها في مؤسسات خاصة رجال عالمون بفوائدها التي لا تحصى.
وعلى هذا فإن غاية العلم الاتنوغرافي هي البحث عن الأشكال المحسوسة التي تتبدى خلالها حياة شعب من الشعوب. ومهمة المتاحف الاتنوغرافية التي يستخدمها الاتنوغرافيون تقتضي أن تصطبغ بالصبغة الريفية وأن تأوي أوائل وأدوات تعبر عن العمل الشعبي وعن المحيط الفردي ويصح أن تنقل إلى الأجيال المقبلة معلومات ثمينة عن التطور الذي تم في الأعصر الخالية وفي عصرنا الحاضر ويجب أن تكون هذه الأوائل والأدوات من صنع الصناع والقرويين والرعاة كالأشياء المعدنية والخشبية والزجاجية المنقوشة والمنحوتة والمزخرفة، والأواني الفخارية والعربات والعجلات وأدوات الزينة والدميات، والأقمشة والألبسة وأغطية الرأس وغير ذلك. . .
ولا تهتم المتاحف الاتنوغرافية بكل هذا فحسب، لأن حياة الشعب الواسعة لا تتجلى فقط خلال الأشياء المادية التابعة للمساكن والملابس والأغذية، بل تظهر أيضاً في مشاهد التقاليد الاجتماعية كالأفراح والأتراح وما يتبع ذلك من رقص وغناء وكلام ولعب والخ. . . وفي الواقع إن الأناشيد والألعاب والرقصات هي ظواهر اجتماعية مهمة في حياة الشعب ومن الواجب على القائمين على تنظيم المتحف الاتنوغرافي أن يسعوا إلى تمثيلها أو الإشارة إليها في عدة قاعات لأنها من وحي روح وقلب الشعب، وتهتز لها أوتار العواطف الشعبية.
وينتج عن كل ما تقدم أن المتاحف الاتنوغرافية قوى حية لها أثر عميق في كيان الدول الاقتصادي والأخلاقي والروحي. وهي أدوات ثمينة تساعد الشعوب على التفاهم لأن تعاليمها هي تعاليم الروح والقلب الخالدين. ويمكنها أن تعطي العوام والمثقفين فيضاً من