أتساءل فيما بيني وبين نفسي، لم يغلب علينا التململ في مجتمعنا العربي، وفي سورية بوجه خاص. فتغدو حين نغدو متبرمين، ونروح حين نروح قلقين، على حين نستطيع أن نجد دائما النقطة التي نبدأ منها في أن تنهض بالمجتمع العربي، وأن نهبه الحياة الحرة الطلقة؟. .
وأتساءل مرة ثانية: هل نحن عاجزون عن أن نعثر على هذه النقطة التي نرتكز إليها. . على حين قد أطلقت لنا في سورية الآفاق، واتسعت الآماد، وأضحى في مقدورنا أن نعمل في يسر أو شيء يشبه اليسر، بعيدين عن الأغلال التي كانت مضروبة من حولنا، والقيود التي كانت تتعثر بها خطانا؟
وترن في أذني أصداء من الوطن. . أصداء أغنيات الفرح في ذكرى الجلاء، وتلمع في خيالي أضواء. . أضواء من هذه الأنوار التي أرسلت في كل مكان، وتنساب البسمات التي كانت ترتسم على كل شفة فتمر من أمامي في استعراض مرح رواف ثم تضيع الأصداء، وتخبو الأضواء، وتذبل البسمات على الشفاه، وأعود لأتساءل ماذا استطعنا أن نفعل من أجل مستقبلنا؟
وتحاول القناعة - والقناعة كنز لا يفنى - أن تردني إلى شيء من الصبر ومن التمعل. . تحاول أن تفرض على منطق هؤلاء الذين يبررون كل قصور، ويعتذرون عن كل فتور، ويجدون السبيل إلى أن يتهربوا من أثقال الأمانة التي ألقيت على عاتقهم. . ولكني أنفر منها. . فقد استطال الزمن، وامتدت السنوات، وحن لا نزال قريبين أشد ما يكون القرب من النقطة التي بدأنا منها، كأن لم تتزحزح.
وأكاد أحسب أن ذلك طبيعي في حياة شعب لم يستطع حتى اليوم أن يبلور نظرته إلى الحياة. . إن هذه النظرة لا تزال بعيدة عن أن تكون واضحة من نحو أو صحيحة من نحو آخر. . إننا نعيش في جو من الضباب، وجو من الخمول. . وحين يقدر لها أن تبدو، تبدو عند المثقفين نسخا لما تضطرب به المجتمعات الغربية ولما تمتحن به. وتبدو عند بعض آخر خلاصة ملفقة لما كان يضطرب به الناس منذ حين.