التي تتراءى هزيلة في المدارس الابتدائية، وتحاول أن تتركز في المدارس الثانوية، والتي تنبثق واضحة بارزة في كل الحلقات والمؤسسات الناشرة للثقافة (غير المقررة) لجأ القائمون على إدارة التعليم في إنكلترا إلى حشد المعلمين من مختلف البيئات العلمية والطبقات الاجتماعية والحرف والصناعات والوظائف ليخرجوا للأمة قادة مدريين في مختلف أنواع النشاط الإنساني والاجتماعي.
وفي رأي واضعي هذا القانون أن التربية لا ترمي إلى تغذية الروح وحده ولا إلى تنوير العقل وحده ولا إلى رياضة الجسم دون غيره بل ترمي إلى تربية الإنسان كله تربية كاملة تشمل روحه وعقله وعاطفته وجسمه وحياته الخاصة وحياته الاجتماعية ومهنته. ولكي يظهروا عنايتهم بتربية الروح والعاطفة فرضوا التعليم الديني في جميع المدارس وجعلوا لدروس الفنون الجميلة المكان الرفيع.
ولعل أظهر ما يميز هذا القانون أن تدخل الدولة في شؤون التعليم لا يقيد حرية المعلمين والمديرين، وإن إشرافها الشامل على سياسة التربية والتعليم لا يعوق قط التشبث الشخصي والنشاط العفوي والاستقلال الذاتي. إنه لا شك قيد في عنق (غادة) التعليم لكنه رخو كأنه القلادة، خيوطه مصنوعة من حرير - لكي لا يؤذي - ومن ذهب أيضاً ليحسن في العيون ويثمن - وكذلك - لكي لا ينقطع.
فكأن بريطانيا في العصر الحاضر، وهي ترى العالم قد انقسم إلى معسكرين: أحدهما يتهم الآخر بأن تدخل الدولة في سبيل ضمانة المساواة والعدالة الاجتماعية أفضى إلى قتل الحرية الفردية، والثاني يتهم الأول بأن حرصه الشديد على الحرية الفردية عاقه عن تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية، نقول كأن بريطانيا وهي تشهد انقسام العالم إلى هذين المعسكرين تحاول أن تشق لنفسها طريقاً وسطاً بين الحرية والعدالة الاجتماعية، ويوفق بين تدخل الدولة والاستقلال الفردي.
فإلى أي مدى تستطيع بريطانيا أن تجري في هذا الطريق؟ هذا ما سيكشفه المستقبل.