لست أدري لماذا وقع اختيارك علي في توجيه هذا السؤال؟ إن ما أعرفه عنك أنك رجل قد أتيحت له الحياة الرياضية، وتستقبل نهارك مغتبطا مبتهجا، وتقضي أيامك فرحا جذلا، فكيف ترغب لابنك الشقاء والعذاب وشظف العيش ومرارة الحرمان،
وتود أن تدفع به إلى عمل مضن، لا يؤمن له حتى الكفاف؟ فاسمع أيها الصديق قصة معلم قضى عشرين سنة في مهنة التعليم ثم اختر لابنك ما يحلو!. .
إن مهنة التعليم من أجل المهن أسماها، ومركز صاحبها من أكبر وأعظم وأقدر المراكز. فهو منشئ النفوس، وباعث الحياة، وقائد الزمن، وموقظ العقول، وممهد الطرق الوعرة، ومعبد المسالك المحفوفة بالمخاطر، وهو أرفع الناس شأنا، وأعزهم مكانا، لما ينقشه على الصدور، وينفخه في الأرواح، ويخلقه في الجيل.
وهو الذي يقاتل الجهل، ويحارب الأمية، ويقضي حياته في خدمة أمته وأبناء وطنه وتقدم بلاده. وهو الذي جاهد وناضل وكافح وجاد بالنفس والنفيس، حتى كتب النصر لنا وأقصي المستعمر الغاشم عن بلادنا بدون ردة. وقد صدق بسمارك في قوله: لقد غلبنا جارتنا بمعلم المدرسة. وهو الذي اعترف النبي محمد صلى الله عليه وسلم بفضله لما رأى مجلسين: أحدهما فيه قوم يدعون الله عز وجل ويرغبون إليه، وفي الثاني جماعة يعلمون الناس فقال: إنما بعثت معلما ثم عدل إليهم وجلس معهم. وهو الذي شاد بذكره مارتن لوثر المصلح الألماني وجعله في مصاف القادة الروحيين إذ قال: لو أتيحت لي الفرصة في ترك وظيفة الوعظ والإرشاد، ما اخترت مهنة غير مهنة التعليم. وهو الذي طلب إليه العالم الاسرائيلي هي بن شريرا المكافأة على عمله، لأن ما يقدم إليه في الحقيقة يقدم إلى الأبناء. فلا غرابة إذن، إذا أوصى العالم السويسري المشهور أجاسيز ألا يكتب على قبره إلا كلمة واحدة، هي كلمة معلم. ولا غرابة أيضاً إذ قال المغفور له الملك فيصل الأول: لو لم أكن ملكاً لكنت معلماً.
* * *
أما في سورية، فقد تعودنا حكومة وشعبا أن نحقر أمر التعليم الابتدائي، ونحقر القائمين