في هذا العصر المضطرب الصاخب عصر الاكتشافات العلمية نجد الإنسانية المتنازعة تقف على عتبة عهد جديد بين البأس والرجاء، تبحث عن مستقر لها أمين وسلم عادل قوي. وقد أجمع المفكرون أو كادوا يجمعون على أن سعادة المجتمع الإنساني يجب أن تشاد على دعائم اقتصادية اجتماعية يساندها التقدم العلمي والفني وتهدف مصلحة العوام، ولا ينحصر خيرها في طبقة الخواص فقط. . .
فالناس مدعوون ولاسيما الخواص منهم إلى ترويض مشاعرهم على قبول فكرة الخير العام. وليس ذلك بعسير أو مستحيل، بل هو ممكن وحاصل بفضل العلم الذي علم الإنسان استثمار قوى الطبيعة وإخضاعها لمنفعته، وعلمه كيف يجب أن يكون سيد الإنتاج يضاعفه ويضعفه حسب الربح أو حسب قوة المستهلكين الشرائية.
ولكن العلم الذي نشأ وترعرع في ساحة العقل الحر يأبى أن يقيده الربح فهو طليق يسمو أبداً ويطور الآلة ويزيد في إنتاجها وسرعتها. فمرت البضاعة التي صنعتها الأنامل منذ آلاف السنين، بآلات البخار فاللهب السائل فالكهرباء فالذرة، ولا نعلم بأي قوة ستمر بعد أن مرت بالتي مرت. . . فنحن في عصر مدنية قائمة على العلم وفي إمكان هذه المدنية أن ترفه عن الناس جميعاً. . .
فعلى هذه الخطة العامة نرى من واجب الأمم تعميم العلم والفن بين ربوعها وهذا لا يمكن أن يكون إلا عن طريق إدخال التعليم الفني في المدارس وتوسيعه توسيعاً مطرداً. ونحن هنا في سوريا، سوريا التي أصبحت مستقلة وذات كيان دولي مرموق، علينا أن نعني بهذه الناحية من التعليم الفني الذي لعب دوراً أساسياً ي مراحل تطور الإنسانية.
لقد ولد التعليم الفني في النصف الأخير من القرن التاسع عشر عندما تقدمت العلوم تقدماً سريعاً هائلاً. صحيح أننا مقصرون بهذه الناحية تقصيراً واضحاً، فالاستعمار الفرنسي وقبله التركي الجائر الجاهل حرم هذه البلاد من التطور ومجاراة التقدم العالمي، ولكن إما ونحن اليوم أسياد بلادنا فمن الجريمة أن نستكين أو أن نهادن ونتهاون في سلوك هذه الطريقة. وقد تكون إمكانياتنا حكومة وشعباً قليلة أو مفقودة للقيام بمهمة إدخال التعليم الفني