لا أدري لماذا اخترت هذا العنوان، وأنا كنت أبغي التحدث عن غيره، عن الأخلاق، أخلاقنا في ثوبها الجلي، وحقيقتها الملموسة، وواقعها الشائك الأليم، لا أخلاق الجمال والفكر الجميل، أخلاق السطور التي تبدعها العاطفة الصافية، والمثل الأعلى، والخير الحبيب، في جو من الورود والأنس، وسماء من الذهب المعسول، والأمل الأنيق.
والأصدق في الأمر أنني عللت النفس بأخلاقنا الفعلية طويلاً، ووضعت لها منظار التودد والمحاباة، ورجوتها أن تتحيز لأخلاقنا وترضى عنها، وحملتها على التغاضي وقسرتها على القناعة والاقتناع، ولكن العبث أردت، وعبثاً أردت، فقد شئت أن تجد نفسي فيها ثروة لا تذوب، وكنزاً ليس يبلى، فلم تستطع نفسي خداعاً، وذهب الجهد باطلاً، وعاد هذا العنوان الفاجع، فاعترفت بفشل الأخلاق المثالية عندنا ووجدت نشاطها خمولاً، وحركتها بطئاً أو رجعية.
ولا ريب أن القارئ النابه درى معي أنني أود الكلام عن جمال أخلاقي نزهى باسمه، وهو غير موجود، وربما وافقني منذ الآن على العجب بأسطورتنا الأخلاقية الجميلة، تحيط بنا، وتعلو علينا، وترهقنا بأثقالها وقسوتها، ونحن نتمسك بها وثنية وأوثاناً، وهي الأسطورة الرائعة حقاً، لولا أنها كاذبة مثل سائر بنات جنسها، ونحن اعتدنا أن نفضل من كل لون أشده، ونرجح على ضجة أقواها، ونخضع للأعظم من كل حجم، وأننا لنقرر خلقياً قيمة الأخلاق، ولكننا لا نعمل بها، ولا نسعى لها، ولا نفهمها في الغالب من الوقت، يطربنا صوت لا نميزه، ونعشق وجهاً لا نعرفه، ونصحب رفيقاً لا نراه.
الأمم الأخلاق
تسمع أن الأمم الأخلاق حصراً، ويتكرر سماعك منذ الصباح إلى المساء، وترغم عليه آناء الليل وفيما بينها أيضاً، فتؤمن إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، وهذا حق لا خلاف يتطاول إليه، ولكنه حق أصبح يتصف لدينا بأكثر من البداهة، ولذا ساءنا ولم ننتفع منه، وإن أحدنا ليلتفت يمنة ويسرى، فيتفاءل ويتشاءم، ويغرق في كليهما، ولكنه بعد ذاك يجد أننا لم نصبح أعظم الأمم في الأرض ولم نرجع إلى ماضينا، لنقترب من كماله السابق، ولم نبرهن على