مما لا شك فيه إن الإنسان اجتماعي بطبعه، لا يمكنه بحال أن يعيش منفرداً، وحيداً، فالاجتماع هو من أبرز خصال الإنسان. ولكن لاجتماعية الأفراد درجات وإن تساوت في الجوهر فهي تختلف في درجات التخلق بها، فهناك أناس يعيشون متطفلين على البشر يأخذون ولا يعطون ولكن إلى جانب هذا الاختلاف بين الأفراد باعتبار الاجتماعية كذلك فإن هناك فروقاً ظاهرة بين الأمم بنفس الاعتبار. ونظرة خاطفة نلقيها على المجتمع الغربي والمجتمع الشرقي يتبين لنا الفرق واضحاً جلياً. كم من جمعيات في الغرب لمساعدة الفقراء والأخذ بيد المنكوبين فهم يقدمون كل ما يحتاج إليه المعوز من طعام وملبس ودواء. . . حتى الكتب واللعب فنرى كل فرد هناك يساهم في هذه المشاريع الخيرية. أما في بلادنا فنحن نتذمر من الفقر ولكننا لا نعرف السبل التي تقضي عليه وتستأصله أو على الأقل تخفف من وطأته، فكل منا يفكر بينه وبين نفسه دون أن يشترك مع غيره: يفكر بالبائس والفقير طالما يراه عيانا فإذا ما غاب عن ناظريه خمدت حميته وما ذلك لأن الشفقة لا تعرف إلى قلبه سبيلا، بل لأنه لم يتعود الحياة المجتمعة والقيام بمشاريع تستدعي التضامن والتشاور.
إننا لا نفكر في غيرنا تفكيراً اجتماعياً، وهذا ما يبدو من نظرة عابرة نلقيها على سلوكنا. ففي اجتماعاتنا العامة يجلس أحدنا في القطار فيحلو له أن يدخن مثلاً فلا يتردد لحظة واحدة في تنفيذ ما خطر له دون أن يحسب حساباً للجالسين حوله وأنه ربما ضايقهم بدخان سيجارته أو يروقه أن يفتح النافذة وبالفعل يفتحها دون أن يستأذن الحاضرين ودون أن يفكر بان البرد ربما أذاهم، واضر بصحتهم.
يدخل أحدنا محطة السكك الحديدية فيرى منظرا يستدعي الشفقة فهذا يدفع ذاك أمام شبك التذاكر، وهذه تدفع تلك، وكل يود بمساعدة منكبه أن يصل إلى شباك التذاكر قبل زميله.
ومن هنا يظهر الفرق واضحاً بيننا وبين الغربيين، فقد سمعت أن أحد الشرقيين وجد في أمريكا وبينما كان يتجول في أحد الشوارع مع صديقه ذات صباح إذا به يرى سلسلة بشرية تبدأ أمام باب أحد الأبنية وتمتد على طول الشارع تاركة المجال لمن يريد الانضمام