والاهتمام بالآثار فاعلية غير مادية من أهم خصائصها أنها تشبع في النفس الرجل المثقف حب الاطلاع والخيال والرغبة الملحة في معرفة ما كانت عليه حياة الأمم في الأزمنة الماضية، وما قدمه المصريين القدماء والكلدانيون والإغريق والرومان والعرب وغيرهم إلى المدنية التي تنعم اليوم بثمراتها. وفي الواقع إن حياتنا الحاضرة ما هي إلا خاتمة للعهود التي سبقتنا. فالمخترعات الحديثة التي تقوم عليها مدنية العصر الحاضر نتيجة لمحاولات قام بها البشر من أنفع الأشياء لنا. لأن ذكائنا وأحاسيسنا وإراداتنا كلها قد تأثرت بذكاء وأحاسيس وإرادة آبائنا وأجدادنا. ونحن نحتفظ بفكرنا بآثار أفكارهم ولزام علينا إذا أردنا أن نعرف أنفسنا وأن نلقي نوراً على أشكال فاعليتنا المادية والمعنوية أن نرجع دوماً إلى الماضي. ويقول (ديونا) العالم الأثري السويسري: إن البشرية مؤلفة من أموات وأحياء، والأموات أكثر بكثير من الأحياء. وهم أقوى منا لذلك فأنهم يوجهوننا دوماً. ونحن نعيش في ظل المبادئ الحقوقية والقوانين التي أوجدها ونسكن المنازل التي بنوها أو التي اهتدوا إلى نظريات بنائها، ونستعمل الأدوات التي ابتكروها. لقد كانوا أحياءً مثلنا وكان لهم نفس الحاجات التي تعتلج في نفوسنا، وقد خضعوا لنفس الضرورات الجسمية والروحية التي نخضع لها. وفي الحقيقة إِن جيلاً واحداً من الأحياء لا يعد شيئاً بالنسبة إلى الأجيال التي سبقته إذا فكرنا أن الإنسان ظهر في حوض البحر التوسط وبدأ يصنع مدينته منذ ١٠٠،. . . سنة قبل المسيح وربما أكثر. فما هي إرادتنا اليومية بالنسبة إلى الإرادة العالمية البشرية التي عمرها آلاف القرون؟
ويقول برغسون متكلماً عن التطورات الطارئة على حياة البشر والبادئة بالمبتكرات الفنية التي يهتم بها علم الآثار: بعد آلاف السنين عندما لا تترك أنقاض عصرنا إلا خطوطاً عامة في تاريخ الإنسان فإن حروبنا وثوراتنا سوف تنسى ولن يحسب لها إلا حساب ضئيل، ولكن الآلة البخارية مع ما يؤلف موكبها من المخترعات الجديدة سوف تجعل الأجيال الجديدة تتكلم عنصرنا كما نتكلم نحن عن العصر الحجري أو النحاسي أنها ستؤلف عصراً جديداً. . ولو عاش برغسون حتى يومنا هذا وسمع بالقنبلة الذرية لأبدل وأعلن انبثاق عصر الذرة الجديدة.
ومهما يكن فأن علم الآثار وتاريخ الفن لا ينفصلان عن التاريخ الإنساني الواسع، وهما