الأساس الضروري الذي يبنى عليه. فليس إبطال التاريخ الحقيقي، السياسيون والملوك ورجال الحروب. أنهم مبتكرون والمبدعون في كل المرافق الفنية الذين يستطيعون بعبقرية تفكيرهم أن يجعلوا الفنون الإنسانية تتقدم وتتطور. ومنهم رجال العلوم المصرفون لذكاء الإنسان الذي ساعد الرجل الابتدائي أن يرتفع فوق مستوى الحيوان ومنهم الذين يكتشفون نظريات في العمل جديدة أو يطبقون نظريات غيرهم فيتوصلون إلى طريق جديدة للسيطرة على المادة ويستطيعون أن ينقلوها بآثارهم إلى غيرهم.
وعلى هذا فأن العالم يوقظه المشتغلون بالآثار هو عالم حي فالمعابد آلهتها والقصور المتهدمة التي يسعى، في الاحتفاظ بها أو إعادة تشييدها كما نفعل في إعادة تشييد جناح من قصر الحير في متحف دمشق، والتماثيل المحطمة والمجبورة والتي لم يبقى إلا جزء منها، والأدوات القديمة المختلفة التي تجمع في المتاحف، تحوي كلها وراء موتها الظاهري حياة الماضي الذي أوجدها في مظاهر المختلفة الفردية والاجتماعية، وفي حاجاتها المتواضعة والمرتفعة. فإن كان التعليم بشكله الحالي عندما يمجد العمل الإنساني ويمنحه عناية فائقة، فكم تزداد الفائدة منه عندما تمجد برامجه ورجاله الماضي أوسع مما هي عليه الآن، فيوضح إلى التلاميذ المراحل التي اجتازها الإنسان منذ الآفة السنين في تطور منتجات عمله من منشآت وفنون وأشكال وأدوات وما إلى ذلك.
فالثقافة الثرية تصبح بتماسها مع التربية ذات دور اجتماعي خطير ويزداد بل الغاية المتوخاة منها. فهي ليست دراسة سلسلة من الأعمال الخاصة من الحجر والفخار والمرمر والبرونز والعاج وغيرها. إنها تمجيد العمل الإنساني في كل العصور والأزمنة عندما ينعكس في المادة الصماء ويجعلها حية ملائمة لانفعالات نفسه ولحاجاته العملية.
أضف إلى كل ما تقدم أن من شأن الثقافة الأثرية تغذيه الشعور الوطني. فحي الوطن يبدأ بحب المنزل وكما يقول (فيستل دو كولانج): إن الوطنية تقدس الماضي وتعلم احترام الأجيال التي سبقتنا والأشياء المادية المتوارثة من عصر إلى عصر بما فيها من أحجار منحوتة وأبنية قديمة وأوابد من جميع الأصناف تتكلم بإفصاح أمام النضر الذي يعرف كيف يرى وكيف يقدر، وتبعث ماضي الأمة فتجعله جزأً من أنفسنا. وليس من بلاد تتراكم فيها أثار الماضي كسورية. فكم من مدنيات نشأت في ربوعها منذ ما سكنها البشر في