وقذفتها قنابل المستعمر فخضعت للضربة القاصمة وفقدت استقلالها السياسي دفعةً واحدةً، ولكنّها لم تلبث أن جمعت شتاتها، واستمدّت من إمكانيّاتها ومؤهّلاتها، فاستعادت استقلالها بعد أن زال شبح المغير عنها، هذه البلاد التي أقصد بحديثي هذا قد فقدت كلّ شيءٍ إلا شيئاً واحداً لم تفقده، وهو ذلك الاستقلال النفسيّ الذي نحن أحوج الناس إليه.
نحن بحاجةٍ إلى الشعور بالاستقلال في نفوسنا قبل الشعور به في مظاهرنا وأعيادنا. نحن بحاجةٍ لأن يشعر كلّ فردٍ منّا أننا مستقلّون حقّاً، وأنّ استقلالنا مدينٌ لنضالنا ونضال أجدادنا، فإذا ما استقرّت هذه العقيدة وآمن كلّ من في الوطن أنّ استقلاله ليس هبةً من مستعمرٍ ولا هديّةً من صديقٍ، يستطيع أن يشعر شعور المستقلّين حقّاً، وأن يقوم بأعمال المستقلّين حقّاً.
أجل نحن بحاجةٍ إلى هذا الاستقلال النفسي المبنيّ على الثّقة والعقيدة والواقع. فإذا ما استطاعت البلاد العربية أن تنجب جيوشاً من هذا الشباب الواعي لقضيّة بلاده، المؤمن بحقيقة استقلاله، والواثق من عقيدته وإمكانياته، حقّ له أن يفخر بهذا الاستقلال وأن يستعيد ذكراه كلّ عامٍ، هذه الذّكرى الجميلة التي تتمثّل بعيد الجلاء، بأجلى صوره وأروع مظاهره.