أعمال الحفر فيها بعد أن وضعت الحرب أوزارها وانصرف الناس من جديد إلى الاهتمام بكشف مخبئات الماضي. ومن أسباب الدعاية لسورية الجديدة أن تعود إلى التنقيبات فيها هي نفسها أو أن تفوض أحد المنقبين الذين نثق بمقدرتهم ونزاهتهم لأن يقوم لحسابها بهذا العمل.
وقد تبين من الآثار المكتشفة في رأس شمرة أن هذه المنطقة قد جذبت البشر إليها منذ أقدم الأزمنة لما لها من مميزات جغرافية كبرى، فهي تقع على الشاطئ تلقاء جزيرة قبرص التي كانت مركزا للصناعات المعدنية في العالم القديم. وفيها تلتقي عدة طرق طبيعية تنفذ إلى سورية الداخلية فتنتقل عليها البضائع والحاصلات إلى حلب وحمص وحماه وبلاد الرافدين. لهذا فقد سكنها الناس منذ زمن العصر الحجري الحديث وجعلوا يبنون فيها بيوتهم فتراكمت على مرور الأجيال حتى ألفت التل المتقدم الذكر والذي يبلغ ارتفاعه عشرين مترا. ويقول المسيو شيفر أنه استطاع أن يميز في هذا التل خمس طبقات من المنشآت البشرية يعاصر كل منها زمنا من الأزمان التي مرت على سورية قبل الألف الأولى قبل الميلاد. فالطبقة السفلية وهي الطبقة الخامسة يرجع عهدها إلى العصر الحجري الحديث أي إلى عصر يمتد بين (٢٠٠٠) و (٥٠٠٠) سنة قبل المسيح. وفوق الطبقة الخامسة تأتي الطبقة الرابعة وهي تعاصر فاتحة الألف الرابعة قبل الميلاد. وقد وجد فيها كثير من الأواني الفخارية التي عثر على ما يماثلها في بقاع مختلفة من المناطق الواقعة بين البحر المتوسط وتركستان. مما يدل على أن لأقدم سكان رأس شمرة كانت لهم علاقات وثيقة مع سورية الشمالية وبلاد الرافدين، وأن (أوغاريت) كانت تقع منذ ذلك الزمن على نهاية الطريق البرية التجارية الكبرى التي تمر بحلب. وهذا ما دعى الفينيقيين الذين شبهوا بانكليز العصور القديمة ليسارعوا إلى احتلالها وجعلها إحدى القواعد الحساسة التي ساعدتهم على سيادة البحر المتوسط. ثم إن طبقة التل الثالثة تحوي آثارا تدل على أنها ترجع إلى آخر الألف الرابعة ومعظم الألف الثالثة قبل الميلاد وتكثر فيها الأواني الفخارية من النوع الفينيقي. وتكثر في الطبقة الثانية التي تليها الآثار والأواني والأدوات التي يمكن نسبتها إلى الزمن الذي مر بين القرن الواحد والعشرين والقرن السادس عشر قبل الميلاد. وكلها تدل على أن الفينيقيين بنوا فيها أبنية متعددة وأنهم كانوا يحملون إليها منتوجات