للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن نظام معين أو مبدأ خاص بل لينهض هذا الوطن ويبقى حيا.

وكم كنا نتمنى منذ أن جلا الأجنبي عن بلادنا أن تقوم عندنا حركة فكرية وحملة أصلاحية مماثلة، تتناول مرافق حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية. إننا لم نر في صحافتنا على كثرة عددها حملة من هذا النوع تدعو إلى التفاؤل. ومن النادر النادر جداً أن ترى بين حين وآخر مقالاً يعالج ناحية معينة ويقتلها درسا وتمحيصا متبعاً في ذلك البحث العلمي المفيد، هذا البحث الذي يعود على الشعب بالنفع ويرفع مستواه، وينير رجال الحكم ويعبر لهم عن إرادة صحيحة.

أن كل ما رأيناه منذ استلام الصلاحيات حتى يومنا هذا هو هذه المقاومة السلبية والاشتغال بالسياسة والدفاع عنها أو مناوأتها. ولقد مضى عهد الفرنسيين ولكن حكمهم ما زال ممتد الظلال، وكأن المقاومة السلبية أصبحت فينا عادة واستحكمت وغدا من الصعب الخلاص منها.

غير أن العمل المجدي المثمر هو هذا العمل الدائب الصامت، هو الإنشاء والإصلاح وفقاً لغايات قومية تستهدف النهوض بالوطن والسير به في الطريق السوي الذي سارت فيه الأمم من قبلنا. وهذا لا يكون إلا بتأسيس منظمات اجتماعية ذات برامج وطنية معينة، فإذا ما استلم الحزب مقاليد الأمور، باشر في تطبيق هذه

الخطط المرسومة من قبل. أما سياسة النقد والتجريح للوصول إلى الحكم والعمل بعد على حل المشاكل بطريق ارتجالي فذلك منهج عقيم والحلول الناجمة عنه لا تكون إلا بمثابة مسكات لا يدوم تأثيرها إلا إلى حين.

نحن الآن في بلبلة فكرية: فمن الناس من يشكو أن ساسة الأمور لم يحققوا الآمال التي عقدت عليهم، ومنهم من استنكف وارتد منطوياً على نفسه صامتاً لم يعجبه كل شيء، ومنهم من يود العمل مخلصاً فأطاحت به أمواج الأنانية فقعد يائساً يغص بريقه، ومنهم من أغرق في المبالغة يضلل نفسه والناس معه بأننا انتهينا إلى ما نصبوا إليه وكفى الله المؤمنين القتال، كأنما يعتقد أن حياة الأمة مرحلة إذا اجتازتها ووصلت إلى نهايتها بلغت كل شيء، وذهب عن باله أن هذا التحول الدائم الذي هو حياتنا إنما هو سلسلة من التعاقب مستمرة لا تقف عند حد. وكمحصلة لكل ما ذكر جمود في التفكير وضعف في الإنتاج.

<<  <  ج: ص:  >  >>