القوية للخروج على المألوف. وهم أنفسهم يجهلون في الغالب مواهبهم واستعداداتهم ولا يعرفون الطريق التي يجب أن يسلكوها. لذلك ينقادون بسهولة لتقاليد الأسرة والمجتمع فينشأون ويعيشون كما نشأ آباءهم وعاشوا.
وقد كانت مادة الثقافة لطلاب العلم القليلين محدودة يمكن للشخص الواحد أن يحيط بها. فهي تقتصر على اللغة والأدب والعلوم الدينية وبعض المسائل الرياضية ثم الفلسفة التي تشمل المنطق والطبيعيات والإلهيات. إذا أراد أحد طلاب العلم الاختصاص بنوع من هذه العلوم فإن الانتقاء لم يكن صعبا لقلة عددها ووضوح حدودها. ولكن الطلاب كانوا الطلاب كانوا على الأكثر يدرسونها كلها. هذا ابن رشد مثلاً كان فقيها وطبيبا ورياضيا وفيلسوفا. ومن المعروف أن (ديكارت) و (لايبيتز) و (باسكال) كانوا يحيطون بمعارف عصرهم جميعها.
في هذه الحالة لم تكن هناك مشكلة تسمى التوجيه المدرسي. أو على الأقل لم يكن التوجيه المدرسي من الأمور التي تهم المجتمع، لأن مسائل التربية والتعليم كانت متروكة للأفراد ولا أثر لها في الحياة الاقتصادية.
على أن الوضع قد تبدل الآن. وقد بدأ هذا الانقلاب في بلاد الغرب منذ مائة وخمسين سنة وأخذت تظهر آثاره في بلادنا أيضاً منذ أوائل القرن العشرين.
إن الثورة الصناعية وما رافقها من تطور في طرق الإنتاج وأساليب العمل كل ذلك قد أحدث انقلاباً عميقاً في الأوضاع الاجتماعية ونظام المعيشة.
لقد أصبح التعليم والثقافة من أهم وسائل النجاح والتقدم في الحياة الاجتماعية وطرق الإنتاج الحديث تتطلب كثيراً من المعرفة العلمية والمهارة الفنية وتحتاج إلى تهيئة طويلة في معاهد مسلكية خاصة. فالتجارة والصناعة والزراعة في الوقت الحاضر لا يمكنها استخدام كل راغب في العمل إذا لم يكن صالحاً لذلك وحائزاً على الشروط اللازمة للنجاح وهي لا ترضى بإضاعة الوقت والجهود في تهيئة العمال الماهرين عن طريق التدريب العملي كما في السابق. إنها تحرض على انتفاء الأشخاص الذين حصلوا على المعلومات الفنية الضرورية والذين تظمئن إلى استعداداتهم ومواهبهم وتتأكد من مهارتهم العملية.
كذلك الأمر في حقول النشاط الأخرى سواء الوظائف الحكومية أو الأعمال الحرة وسواء