المهن الفكرية، فإنها - في هذا العالم الذي يتطور بسرعة مدهشة وتسود فيه المنافسة - تتطلب من كل الأشخاص مقداراً كافياً من الاختصاص المسلكي والمعرفة الدقيقة، لواسعة والمهارة الفنية.
لقد بدأت البلاد الغربية منذ مدة تعتني بالتوجيه المسلكي. ويقصد بذلك توجيه الناشئين الذين لا يصلحون أو لا تسمح لهم حالتهم الاقتصادية بالاستمرار في الدراسة النظرية للحصول على الشهادة الثانوية ودخول الجامعات، فتتولى الدولة تهيئتهم إلى مختلف المهن العملية - الفنية في مدارس مسلكية خاصة من صناعية وزراعية وتجارية. على أن هذا التوجيه لا يستند إلى اختيارات علمية - دقيقة تكشف عن مواهب الناشئين واستعداداتهم الكامنة بل ما زال يعتمد على مجموع العلامات في فحوص الشهادة الابتدائية أو شهادة الدراسة المتوسطة كما إنه يتأثر في أغلب الأحوال بالعوامل الاقتصادية والاعتبارات الاجتماعية. فنرى الطبقات الفقيرة هي التي تضطر إلى إدخال أولادها في المدارس المهنية ليخرجوا بأسرع ما يمكن إلى الحياة العملية ويستطيعوا كسب معيشتهم بأنفسهم دون أية ملاحظة لمواهبهم واستعداداتهم. ولعل أعظم نقص في هذا التوجيه هو الإقدام عليه بعد الدراسة الابتدائية مباشرة أي في سن مبكرة لا يمكن معها الكشف عن ميول الناشئين ومواهبهم. فقد دلت المباحث العلمية على أن الناشئين لا تبرز شخصياتهم وتظهر ميولهم العميقة واستعداداتهم الحقيقية ومواهبهم الكامنة إلا بعد أزمة المراهقة أي في السن الخامسة عشر. وهذا ما دفع الحكومة السوفياتية إلى تمديد الدراسة الابتدائية، الإجبارية، الموحدة حتى الخامسة عشر من العمر.
إن التوجيه المسلكي لا يمكن أن يؤدي إلى النتائج المطلوبة إذا لم يقم على أساس صحيح من معرفة شخصية الطفل. ولا يكفي هنا الاستناد إلى الاختبارات النفسية والمقاييس العقلية وحدها بل لا بد قبل ذلك من تغيير جوهري في برامج التعليم وأساليب التربية والتنظيم المدرسي. وهذا ما نقصده بالتوجيه المدرسي.
إن التوجيه المدرسي معناه تنظيم الحياة المدرسية في جميع مراحلها، وعلى الأخص في المراحل الأولى حتى السن الخامسة عشر، بصورة تساعد على انكشاف ميول الناشئين واستعداداتهم ومواهبهم لنستطيع بعد ذلك تهيئتهم إلى المهمة التي يصلحون لها في