وتكافح وتناضل وتبذل الأموال والمهج في سبيل خلاصها حتى تتخلص من الكابوس الجائم فوق صدرها وتبرأ، ولكن إلى حد محدود، من المرض الذي استولى عليها وأنشب مخالبه فيها ردحاً من الزمن، يطول أو يقصر، بحسب استعدادها للمرض وإلا بلال منه، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً. وهكذا دواليك كما قلنا آنفاً، حتى أدت الحال إلى نزاع دائم بين الأمم كاد يقضي على معالم البشرية والحضارة ويدكها من أساسها إن لم يكن اليوم فغداً كما هو مشاهد في الماضي وكما نشاهده اليوم بأم عيننا. مما دعا المفكرين والمصلحين في كافة العصور منذ ابتداء الخليفة وفجر التاريخ إلى السعي وراء إصلاح البشرية وتخليصها مما يحيق بها من الويلات والعصائب وأسباب الاندثار والانقراض، بدعوتها إلى السير في الطريق السوي المستقيم، ونبذ الأحقاد والتنافس والخصام وتسوية القضايا المختلف عليها بالتشاور والتراضي بدلاً من اللجوء إلى القوة والحروب وزوج البشرية في أتونها اللاهب. وتخليصها من الويلات التي تحل بها من جراء ذلك والسعي وراء إيجاد إخاء عام وسلام دائم، ووضع قوانين وأنظمة تؤمن معيشة الجميع وأمنهم ورفاهيتهم. وقد ظهر كثير من المصلحين والفلاسفة والمفكرين دعوا الناس بأساليب شتى للوصول إلى هذا الغرض الأسمى، حتى انتهى بهم الأمر إلى التفكير بتوحيد العالم وتأليف جمعية واحدة تضم كافة أفراد البشرية تحت لوائها وتعاملهم معاملة واحدة تؤمن لهم حياتهم وحاجاتهم على اختلاف أنواعها ليسود السلام العام وينتشر لواء الإخاء والمحبة والعدل والمساواة بين الناس وتزول المطامع من أذهان البشر ويصل الجميع إلى الغاية الإنسانية القصوى، والهدف الإنساني الأسمى، والمثل الأعلى المقصود من الحياة ضمن نطلق أسرة واحدة، كما سأبينه إلا إنهم اختلفوا على الطريق الواجب سلوكها للوصول إلى هذه المثل العليا والأهداف السامية التي لا حياة للبشرية بدونها، فمنهم من اتخذ الوعظ والإرشاد وسيلة لذلك، ومنهم من اتخذ العلم وافتتاح المدارس ونثر الثقافة واسطة لهذا الغرض، ومنهم من استعمل القوة والسيطرة على الأمم بواسطتها للتمكن من تسيرها حسب أغراضه بدعوى إيصالها إلى هذه الأمنية الغالية، ومنهم من استعمل أو فكر باستعمال طرق وأساليب مختلفة أخرى لا تعد ولا تحصى فشلت كلها ولم يكتب لها النجاح، حتى فطن في المدة الأخيرة وبعد طول التجارب بعض المصلحين إلى طريقة جديدة يعتقد أنها هي الطريقة المثلى التي تخلص البشرية من هذه