فيفضّل عندها سبيل السعادة المطمئنّة والهدوء البهيج الذي يخلع على النّفس كلّ غبطةٍ ورضى.
والحكمة بعد ذلك هي المدرسة الوحيدة حيث يتلقّن المرء فيها سرّ الانطلاق وجوهر الحرّية، فالذي يقدر على مغالبة هواه وعلى سيادة نفسه مسترشداً بحكمة الحكماء، هو قادرٌ لأن يكون حرّاً بنفسه سيّداً على كلّ شيء، إذ ليس بمقدور أية سلطةً أن تضعف في نفسه تلك القوّة الكامنة التي تنبعث من ثقته المطلقة الواثقة التي ولّدتها خبرة الدّهور وعصارة الفكر ونتاج الحكمة وزادها رسوخاً علم المرء بأنّه قادرٌ على السّير وفق تعاليم وأنظمةٍ ابتدعها العباقرة الأفذاذ وعلى الحياة عن بصيرة وهدى وبتماسٍ مع خلود الفكر الإلهيّ.
ففي هذه الحالة عندما يوفّق الحكيم إلى إشاعة الانسجام بين نفسه وبين خير ما أبدع الفكر وأجمل ما حلم به الخيال ويتسامى بذلك من مرتبة الحسّ إلى مرتبة الرّوح، عندئذٍ يستطيع الظّفر بتلك الحرّية السامية التي هي مصدر قيمته الإنسانيّة وبقدر ما يشتدّ إيمان الحكماء بحرّيتهم بقدر ما يكتب للحرّية الحياة والبقاء، والضغط لا يؤثّر على نفوسهم ولا يحول دون تنفيذ إرادتهم، وقد تعمل وحشيّة المتعصّبين والحمقى على إخماد لهب الحرّيّة، لوقتٍ ما، ولكن الجزوة التي تحتفظ بها قلوب الحكماء المتأجّجة تعرف دوماً كيف تنفض الرّماد عنها وكيف تعيد إلى شعلة القلب لهب الحماسة ونعمة الضّياء.