وفي مدة قصيرة، ظهر هذا السرب في سماء دمشق الخالدة. وكذلك خلق نهضة جبارة في مدارسنا، ليس بالأمر المستحيل أو الصعب طالما يكمن في شعبنا قوى تنتظر من يقدمها، وطالما يشترك في قدحها وبعثها وتوجيهها رجال مخلصون وشباب عاملون. . .
أيها السادة!
إن نظام التعليم لا تزال غايته إعداد الطالب لنيل الشهادات ليصبح فيما بعد موظفاً يعمل عملاً آلياً، ويتقاضى راتباً، ولا ينتج شيئاً، يفخر بشهاداته ويزين بها الجدران. ويجب أن نعترف بأن ما نسميه النشاط المدرسي والأعمال الحرة ليس له في الحقيقة أي ملموس في مدارسنا، لان الوقت المخصص لهذه الغاية، قليل جداً ولأن معظم المعلمين ليس لديهم من أوقات الفراغ والمعرفة العملية ما يساعدهم على انجاز ذلك. وما زال همُّ المعلمين إتمام مواد البرامج وإنهاك أذهان التلاميذ بالمعلومات الفارغة الغامضة دون أن يخلقوا جواً مدرسياً، يعود التلاميذ على المطالعة والعمل المشترك والتعاون والتنظيم. ولكن كيف يتاح للمعلمين أن يقوم بهذه المهمة وواحدهم يدرس في الأسبوع أربع وثلاثين ساعة.
إن دوام هذا الوضع الخاطئ لا يتآلف ونفوس الشبيبة التواقة للمجد والعمل فتأمل من المسؤولين، الذين لا نشك في إخلاصهم وكفاءاتهم، أن يعنوا أولا بالمعلمين عناية، تدفعهم إلى القيام بواجباتهم عن حب ورغبة. فيؤّمن لهم على الأقل الحد الأدنى من ضرورات المعيشة، وتؤسس لهم نواد، يجتمعون فيها بعد عمل النهار يتداولون شتى الأحاديث عن مهنتهم وعن مصير الجيل الموكول إليهم أمره. . .
أما ثانية فيجب تغيير مناهجنا النظرية الرتيبة التي تنشئ أناساً نظريين، ضعافاً في أبدانهم ونفوسهم وأخلاقهم، وإيجاد منهاج نظري_عملي_فني، يوافق ما تحتاج إليه حياتنا اليومية من صناعة وزراعة وفن. فيرّبي هذا المنهاج جيلاً قادراً على إتقان استخدام يديه وعقله، ويخلق نوعاً من الإنسان مفعماً بشجاعة لا تغلب وإرادة لا ينطفئ اتقادها، وعزيمة لا تلين، وإخلاص لا يبهره الدرهم والجاه، إنسان مزود بقطبي الحياة: الفكر والعمل، يدفعه إلى انجاز عمله، إدراكه المنتقد المستمر لواجباته مهما كان نوع تلك الواجبات، كفرد مساهم في تقدم مجتمعه، معتقد بكل بساطة أن ما يبذل من جهد وعمل هو في سيل حرية شعبه وسعادة وطنه، محطم القيود التي تغل عبقرياته وملكاته، يدير مقدراته بنفسه، وقد انكشف مواهبه