فالمجتمع لا يثبت على تقهقر ولا على نهوض، بل الأيام دول بين الناس، وهذا كله لا يتم إلا بالتبدل والتقدم، والمجتمع عندنا عرف وحاجة، فهو عرف يحتفظ بالتقاليد عند تلاصقها بالتطور، وهو الحاجة إلى إدخال الجديد في القديم حتى تصبح التقاليد ملائمة، والقديم غير بال، وما من سبيل إلى الكفر باتساق القديم والجديد في حياة المجتمع، وحياة الإنسان.
واجب الساعة
ويظن ظان أن الأخلاق هي هدف الأمة العربية في نهضتها، وعندنا أن النهضة هي على العكس هدف أخلاقنا العربية الآن، وتحقيقها هو واجب الساعة الأعلى، وإن الحرص على صبغ مفهوم الأخلاق القديم - وقد كان فردياً تعسفياً في ظل الاستعمار - بصبغة اليقظة القومية الحازمة العازمة، هو فرض هذا الوقت، ومحور الأمل، ولغز النجاح والفخار. والزمان أثناء ذلك يفعل فعله، ولكنه لا يخدم أمانينا عن طريق القصور والاتكال.
وزارة التربية
أما المسؤولية في هذا الأمر الجلل، فلن نتكرم بإلقائها على الأيام والتاريخ، لأن التاريخ أصم إذا نام أهله، والتاريخ ليس عربياً إلا إذا هبت القومية العربية من رقادها، وتفجرت ينابيعها عن قوة ونضج، والأيام عاجزة إذا جهل أصحابها، وأمعنوا في الجهل، والمسؤول الأول عن كل ذاك هو التوجيه القومي في وزارة المعارف، ونحن نريدها وزارة التربية القومية أولاً، وأغلب الظن أن القيام بمثل هذه الوظيفة لما يبلغ تمامه، ويكمل وثبته، ويملأ بالخلقية القومية هيكل الثقافة والتعليم.
والقائمون على هذه الوزارة هم المسؤولون مبدئياً عن صحة التربية، وصلاح الجيل، لأنهم قبل غيرهم يتضلعون بعبء اجتماعي ثقيل، ويتصدون لإحقاق وظيفة اجتماعية وتاريخية عليا، يصيبهم من الفخر في فوز القيادة مثل ما ينالهم من الازدراء في العجز والإهمال والقصور، حين العقم والفساد. ورجال المعارف السورية يخرجون، فيما نعتقد، عن أناقة التمثيل ليدركوا صميم الحياة، ويقبضوا على زوايا الواقع، ويعالجوا لباب الأمر بجدهم وقدرتهم وجميل الصبر والإخلاص، وإن دعامة هذا الوطن في بقائه صاعداً ناشطاً لتشاد من تواضعهم وإقدامهم، ولا نكران أن المربين في سلك هذه الوزارة فاضلون تشكر هممهم، وتحمد خصالهم، ولكن الإقبال عل العناء الأشد، والعمل بحيوية أكثر على فتح العقول