هذه هي فكرة من يوجه إلى العالم الخارجي نظرة سطحية بسيطة. غير أن النتيجة التي يتوصل إليها أولئك المشاهدون الذين قد اعتادوا أن يعطوا الحوادث والتغيرات التي تجري حولهم حقها، وإن كانت بسيطة، وينظروا إليها بعين يقظة حذرة، ففي كل خطوة وفي كل لحظة يستطيع المراقب فيها رؤية شيء على الأرض يلاحظ آثار جهاد متواصل أقامته قوى الطبيعة الخارجية ضد أي عائق يبرز فوق مستوى سطح البحر الذي يخيم تحته السكون العميق والراحة الدائمة. فالأمطار والجليد والثلوج والهواء والينابيع والسواقي والجداول والسيول والأنهر وجميع العوامل الجوية قد اعتصمت على تغيير وجهة الأرض تغييراً دائمياً. وقد حفرت المجاري المائية الأودية الكبيرة ثم غمرتها الأراضي اللحقية فيما بعد. فكل ما هو على الأرض متغير لا انقطاع فيه. هنا يتلطم البحر بشدة فوق الشاطئ ويؤخرها من قرن إلى قرن وهناك تهوي أقسام جبلية فتبتلع في برهة وجيزة عدداً من القرى وتزرع الخراب والدمار بين أشد المقاطعات ازدهاراً، وتفكك الثلاجات والسيول معظم الجبال والهضاب وتشتد الأمطار الكثيفة فوق مخاريط البراكين فتقيم فيها الهوات العميقة ثم تهوي عليها الجدران القائمة ولا يبقى منها إلا آثاراً بالية تبرز فوق تلك الاندفاعات الجبارة وها قد دنت جبال الألب والبيرنه في أوربة إلى نصف ذلك الارتفاع الذي كانت تنتصب عليه قبلاً.
ولا يقل عن ذلك قوة ما تقوم به الأنهر الكبرى من التأثير كالغانج في الهند والمسيسبي في أمريكا وكلاهما يحمل في مياهه ذرات معلقة، وكل حبة من الرمل تعكر صفو تلك المياه هي قطعة أرضية قد اقتلعت من الأرض. وتحمل المياه إلى مستودعات البحر الهائلة بشكل متواصل بطيء كل ما تفقده الأرض وليست تلك المواد اللحقية التي تتراكم عل الدلتا شيئاً يذكر أمام المستودعات التي يتلقاها البحر يومياً ليوزعها على أغواره الكبرى.
ولا يزال علم الجيولوجيا يؤكد على كل نقطة من الأرض هذه النتيجة الواضحة وخلاصتها أن سطح الأرض، عرضة إما إلى تغييرات درجات الحرارة وإما إلى تعاقب الجفاف والرطوبة والصقيع وذوبانه وإما أيضاً إلى تأثير الديدان أو النباتات المتواصل: وهو من الأعمال المفككة الهدامة التي تأخذ بأشد الصخور تماسكاً وصلابة. تتدحرج القطع الجبلية الصغيرة بادئ ذي بدء على المنحدرات أو على مجاري السيول حيث تتحور وتتحول شيئاً