وأرقناها دماءً حُرَّةً ... فاغْرُفِي ما شِئتِ مِنها واشرَبي!
وامسحي دمعَ اليتامى وابسمي ... والمسي جرحَ الأيامى واطرَبي
نحن من ضعفٍ بنينا قوَّةً ... لم تَلِنْ للمارجِ الملتهبِ
كم لنا من ميسلونَ نفضَتْ ... عن جناحيها غبارَ التّعبِ
كم نَبَتْ أسيافنا في ملعبٍ ... وكَبَتْ أَجيادُنا في ملعبِ
من نضالٍ عاثرٍ مصطخِبٍ ... لنضالٍ عاثِرٍ مصطخبِ
شرفُ الوثبةِ أن ترضي العلا ... غُلِبَ الواثِبُ أم لم يُغلَبِ!!
فالتَفِتْ من كوَّةِ الفردوسِ يا ... فيصلَ العلياءِ واعجبِ
أترى كيف اشتفى الثّأرُ م ... ن الفاتح المسترقِ المستلبِ
وطوى ما طالَ من راياتهِ ... في ثنايا نجمهِ المحتجبِ
ما نسينا دمعةً عاصيتها ... في وداع الأملِ المرتَقَبِ
رجفتْ بالأمسِ سكرى ألمٍ ... فأسلّها اليومَ سكرى طَرَبِ
يا لنعمى! خفَّ في أظلالها ... ما حملنا في ركابِ الحُقبِ
أينما جالَ بنا الطَّرْفُ انثنى ... وطيوف الزّهوِ فوقَ الهُدُبِ
هذه تربتنا لن تزدهي ... بِسوانا من حماةٍ نُدُبِ
فلنَصُن من حَرَمِ المُلكِ لها ... منبر الحقدِ، وسيف الغضبِ
ولنسلُ حُنجُرَةَ الشَّدوِ بها ... بينَ أطلال الضّحايا الغيَبِ
ضلَّت الأمَّةُ إنْ أرختْ على ... جرحِ ماضيها كثيرَ الحُجُبِ
ما بلغنا بعدُ، من أحلامنا ... ذلك الحلم الكريمَ الذَّهبي
أينَ في القدسِ ضلوعٌ غضَّةٌ ... لم تلامسها ذُنابى عقربِ
وقفَ التّاريخُ في محرابها ... وقفةَ المرتجفِ المضطربِ
كم روى عنها أناشيد النّهى ... في سماع العالم المستغرِبِ
أيُّ أنشودة خزيٍ غصّ في ... بثِّها بين الأسى والكربِ
ما لأبناء السبايا ركِبوا ... للأماني البيضِ أشهى مركبِ
ومتى هزّوا علينا رايةً ... ما انطوتْ بين رخيصِ السُّلُبِ