تستغني عنها الشّعوب في تدعيم نهضاتها وتقويم حيويّاتها، فلمهنة التّعليم قدسيّة وجلالٌ وفاعليّةٌ تجعلها تستطيع رفع مستوى الأّمة، لذا يجب أن يكون المعلّم مثقّفاً من النّاحيتين الخلقيّة والعلميّة، مطلعاً على أسرار مهنته وأساليبها، محبّاً لها حبّاً شبيهاً بالعبادة لكي يتمكّن من تربية النّشء الحديث تربيةً صحيحةً، فلا يكون من الشّباب الذين يتّخذون من هذه المهنة وظيفة مؤقّتة ينصرفون، خلال إقامتهم فيها ولبثهم تحت لوائها، إلى إعداد نفوسهم لخوض ميدانٍ غير ميدانها لأنّها، في نظرهم، مبتذلةٌ لا تفي بحاجة نفوسهم الطّامحة إلى السّؤدد، لأنّهم لم يتعوّدوا على التّضحية والتّفاني في سبيل أمّتهم ووطنهم أو لأنّ الحكومة لم تنصف أبناء هذا السّلك، فاضطر هؤلاء الشّبّان إلى التّهرّب من أشرف المهن؟
أتيت في بحثي على ذكر القرية، وهنا أقول أنّ الحالة فيها تبعث الحزن في النّفس لأنّها بحاجة شديدةٍ إلى الإصلاح في جميع نواحي العمران. وهي، والفقر والجهل يخيّمان عليها، منبع الرّجولة الحقّة والذّكاء الوقّاد، لا يتطلّب إنهاضها من كبوتها كثير عناءٍ. وأرى أن يُجعل التّعليم فيها إلزاميّاً بقوم بتأدية رسالته شبّانٌ عمادهم الأخلاق الفاضلة وغايتهم تهيئةُ جيل جديد يترفّع عن النّعنات الحزبيّة الضّيقة ويتسامى عن النّعرات الطّائفيّة البغيضة، جيل مؤمنٌ بقوميّته متفانٍ بحبّ وطنه، لا يتنصّل من التّبعات، فتفيد البلاد من عبقريّات فذّةٍ مدفونة، وعقليّات عظيمةٍ مطمورةٍ. وأرى أن يكون إعداد النّشء للحياة العمليّة أكثر منه للحياة العلميّة وتعويده على الأعمال الزّراعيّة حسب الطّرق الفنّية الحديثة، لأن معظم القروييّن لا يتمكّنون من وضع أبنائه في المعاهد العالية لما لها من تكاليف باهظة، وإن القرويّ الذي أنهى دروسه الابتدائية وتطلّعت عيناه إلى نور الحياة ولم تتهيّأ له الأسباب لمتابعة الدّراسة، تأنف نفسه من العودة إلى العمل في الحقل، فتقوى الأزمة في القرى وتكثر البطالة، وتصاب زراعتنا بشللٍ يؤدّي إلى تأخير اقتصاديات الوطن. ولقد أهملت المدرسة اليوم النّاحية الحيويّة التي يتطلّبها محيط القرويّ وتقتضيه بيئته.
فإكثار عدد المدارس الزّراعيّة في القرى وتخصيص قسمٍ كبير من برنامج التّعليم فيها للعمل أمرٌ حيويّ مفيدٌ يجب أن يراعا ويحقّق.
وإننّا بإصلاحنا شؤون القرية نجعل منها مصدراً نستمدّ منه قوىً جبّارةً في جميع مرافق حياتنا ولن نتخلّص من كثير من أمراضنا الاجتماعية التي يتألّم منها المفكّرون إلاّ إذا رفعنا