ابتعدت عن سوريا في غبش الفجر بعد أن استودعت آمالك وأحلامك ضمير الزمن. . . لكنك ذهبت لتعود، وابتعدت لتقرب.
وحياته. . كانت سلسة جهاد وآلام لكنها متجددة مع ذلك في كل حين ففي عام ١٩٢٨ انتخب نائباً في المجلس التأسيسي وعضو في الكتلة الوطنية وبذل جهداً لم يعرف التعب والكلل، حتى كاد جهاد (٣٦) فقاد النضال بقوة وصبر على المكاره، واعتقل في عين ديواروما عاد منها إلا ليشترك في الوفد السوري إلى باريس ثم ليقوم بدوره بتأسيس الدور الوطني، وانتخب للمرة الثالثة والرابعة وتألفت الحكومة الدستورية الثانية المستقلة حيث لعبت دوراً كبيراً باستعادة التمثيل السياسي وبتسلم الصلاحيات. . .
جهود جبارة لا ننكرها عليك يا [سعد]. حقاً قد كنت لك سعد فعلى يدك بل وفي زمنك ثم جلاء الجيوش الأجنبية عن البلاد العربية - السورية_وسنت القوانين والأنظمة التي أحدثت انقلاباً خطيراً في حياتنا يتفق مع ما بلغت إليه وأدركته من مكانة ومقام. . .
إيه يا سعد! كيف استطاع هذا الجسم البشري أن يساير نفسك الكبيرة ويماشي همتك العالية وفكرتك التي تميل إلى أن تجعل العالم بأجمعه عربياً. . . لقد طرقت أبواب العدالة الموصودة وفتحتها فجئت منها بقبس حق وإنصاف أنرت به سبيل العرب.
ثلث قرن في جهاد متواصل، ثلث قرن في نضال مستمر، ثلث قرن في بلاء طويل وأخيراً ناء الجسم الضعيف، ناء هذا الهيكل المرهق، بما تحمله النفس من آمال وأحلام، فألح عليه المرض العضال، ولكنه لم ينل حتى الساعة الأخيرة شيئاً من قوة إيمانه وصفاء نفسه.
وأخيراً أغمض جفنيه لحظة فإذا بهما لا يرتفعان بعد، بل أخلدا إلى هذا السكون الدائم، هذا السكون الأبدي. . .
وما كاد الرق يملأ الأجواء نبأ نعيه حتى اضطرمت الأفهام وتلعثم اللسان وتساءل الجميع: أصحيح مات الجابري. . .؟
ألا رحمك الله يا سعد! وأسكنك فسيح جنانه، فنم هانئاً مطمئناً قرير العين، نم آمناً مرتاحاً مبتهج الصدر أن الأمة العربية لتسعى لتنفيذ وصيتك الخالدة:
. . . وصيتي إليكم أيها السوريون المحافظة والسهر على استقلال البلاد والتمسك بأهداب النظام الجمهوري الرشيد القائم فيها.