_ كفى، لا تهتمي به، إذ لو كان علينا أن نهتم بكل وقح نصادفه، فما كنا لننتهي من الحوادث.
ولكن الفيكونت نهض فجأة، إذ لم يستطع أن يقبل أن ينغص هذا المجهول شرابا قدمه. ولقد اعتبر أن هذه الإهانة قد وجهت إليه، ما دام دخول أصدقائه إلى هذا المقهى كان بدعوة منه وبسببه. فالحادث إذن لا يعني إلا إياه.
تقدم من الرجل وقال له:
_ إنك تنظر، يا سيدي، إلى هاتين السيدتين نظرة لا أستطيع تحملها. فأرجوك أن تقلع عن هذه النظرة الملحة.
فأجابه الرجل:
_ هل تريد أن تدعني بسلام، أيها الرجل.
فقال الفيكونت، وقد حد على أسنانه:
_ حذار، يا سيدي، إنك تدفعني إلى تجاوز حدود الأدب.
فلم يجب الرجل إلا بكلمة واحدة، كلمة بذيئة رن صداها في جميع أنحاء المقهى فأدار كل من في المقهى وجهه نحوهما، وحدقوا بهما، وفتل ثلاثة ندل على أكعابهم كما تدور الدوامة، وانتفضت السيدتان اللتان كانتا خلف منضدة الحسابات.
وساد المقهى صمت رهيب. ثم، وبشكل مفاجئ، رن صدى صفعة عنيفة في أجواء المقهى. لقد صفع الفيكونت خصمه. فنه الشرب للتدخل، بينما تبادل الخصمان بطاقتيهما.
* * *
ولما دخل الفيكونت إلى منزله، أخذ يسير في غرفته، بخطوات سريعة عصبية، وكان شديد الاضطراب، لا يستطيع التفكير في شيء، وحلقت في أجواء مخيلته فكرة واحدة: مبارزة، دون أن توقظ، في نفسه هذه الفكرة، شعوراً ما.
لقد قام بما كان عليه أن يقوم به، وأظهر نفسه بالمظهر اللائق بأمثاله. سوف يتكلمون عن عمله هذا، وسوف يقرونه عليه، ويهنئونه على ثأره لكرامته. . . وأخذ يعيد بصوت عال، كمن يتكلم وقد ملأت رأسه أفكار مضطربة هائجة: