في العلم وراحت تسرد علي حوادث اليوم دون أن تتعب ذاكرتها في متابعة دقائق الحوادث.
وهنا سقط رأس الشريد على صدره وانتفض جسمه الهزيل الضاوي واستطرد: وفي إحدى الأمسيات بينما كانت عائدة إلى منزلي بعد أن قضت سهرتها مع احد عشاقها دهستها عربة فنقلتها إلى منزلي وألبستها ثوب زفافها المماثل لهذا الذي ترتديه أنت اليوم. . اقسم أن وجهها لم يكن في لحظة من حياتها أبهى وأنضر منه وهو يخيم عليه جلال الموت كانت تظهر وكأنها مستغرقة في سبات عميق وعلى شفتيها ابتسامة تدل أنها سعيدة كل السعادة بان طعنتي هذه الطعنة الأخيرة.
ودفع الرجل رأسه متكاسلاً ونظر إلى الوريقات الخضراء واخذ يرهف السمع إلى أصوات الأجراس الناعية الحزينة ثم نظر حوله بضجر وقال:
_ هل تسمعين هذه الأجراس. .؟ ستدق وستدق في كل يوم كهذا اليوم من كل عام ولكن اليوم هي (نيومي) التي تزف. . أما أنا فيمكنني أن أتحامل على نفسي وحيداً مجهولا عديم النفع حاملاً حبي الذي يأبى الفناء في أعماق قلبي.
والآن خبريني يا صغيرتي متى ستخدعين (جان لويس) واعتباراً من أي لحظة لن يتمكن من سماع الترتيل في الكنيسة دون أن يشعر بحاجة إلى سحق كل من يحيط به؟ وانحنى فوق نيومي الحسناء حتى كان يلامسها وحدق في وجهها وكأنه يود أن يسبر غور نفسها ووان يصل إلى أعماقها أما نيومي فقد كانت جامدة كالصخرة وراح النسيم يتلاعب بشعرها الذهبي المتدلي فوق جبهتها ثم همست بصوت رخيم عذب أنه يجب عليها أن تعود إلى منزلها إذ أن جان سيثور لتأخرها الطويل ونهضت وقد عرتها رعشة كمن ينفض عن نفسه غباراً علق بثيابه وبسمت للشريد ثم قالت:
_ سأعطيك هذا الخبز الذي أحمله فقد يسرك أن تحصل عليه.
فأشار الرجل برأسه أن لا ولم يعد ينبس بكلمة واحدة تدل على أنه يود منها أن تبقى بل شعر بحاجته للعزلة والانفراد فهو لا يريد أن يرى ولا أن يسمع حتى ولا أن يتنفس بل يريد أن ينام. . . وأن ينام فقط.
ووهلة صرخ وهو يشير بيديه كأنه يبعد عنه أشباحاً تطاردده