للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- نشأته وطلبه للعلم:

لم يمضِ زمن طويل على ولادته حتى توفي أبوه (١)، فنشأ يتيمًا، وألجأته ظروف الحياة (٢) منذ نعومة أظفاره إلى التكسّب وطلب الرزق، فعمل بالخياطة حتى برع فيها بحيث كان يخيط بالخيط الأسود في الثوب البغدادي الأبيض فلا يظهر، ومع ذلك. . فقد حفظ القرآن الكريم، وحفظ بعض المختصرات، وعرض بعضها على العز بن جماعة (٣).

ثم ظهرت عليه علامات النبوغ والذكاء المتميز، فأقبل على الاشتغال بطلب العلم، وبدأ ينهل من معينه متنقّلًا بين علماء بلده، متزودًا من مختلف الفنون. .

وتزايد شوقه إلى العلم ومجالسَةِ أهله، فسافر مع شيخه التاج النعماني (٤) إلى الشام، وحظي فيها بالإجازة العامة سنة ست عشرة وثمان مئة، حيث كان في الرابعة عشرة من عمره.

كما أقبل على التأليف في وقت مبكر، وكان أول ذلك وهو لم يتجاوز الثامنة عشرة. .

ولم يزل على اهتمامه وجِدّه حتى شاع ذكره وانتشر صيته، وأثنى عليه


(١) يقول ابن تغري بردي في: "النجوم الزاهرة" ١٣/ ٢٣، وهو يذكر أحداث سنة ٨٠٣ أن ممن توفي فيها: "الشيخِ الإمام الفقيه سيف الدين قطلوبغا بن عبد الله الحنفي في نصف جمادى الأولى، وكان فقيهًا فاضلًا مستحضرًا لمذهبه، معدودًا من الفقهاء الحنفية"، قلت: قد يكون هو والد العلامة قاسم، رحمهما الله.
(٢) يحكي لنا المؤرخ المقريزي ما ألمّ بمصر في ذلك الوقت من سوء الحالة الاقتصادية، وكيف ارتفعت الأسعار وتزايدت الأجور فيقول: "وعظم الرزء وعمّت البلية وطمت، حتى مات من أهل الإقليم بالجوع والبرد ما ينيف عن نصف الناس، وعمّ الموتان حتى نفقت الدواب في سنة ست وسبع [وثمان مئة]، وعز وجودها، وبلغت أثمانها إلى حد يُستحى من ذكره. ." ويقول وهو يتحدث عن أقسام الناس وأصنافهم في هذه المرحلة: "وأما القسم الخامس فهم أكثر الفقهاء وطلاب العلم ومن يلحق بهم من الشهود. . فهم ما بين ميت أو مشتهي الموت، لسوء ما حل بهم!. . وأما القسم السادس، فهم أرباب المهن والأجراء والحمّالون والخدم والسواس والحاكة والبناة والفعلة ونحوهم، فإن أجرهم تضاعف تضاعفًا كثيرًا". انتهى كلام تقي الدين المقريزي من كتابه: "إغاثة الأمة بكشف الغمة" ص ٤٢، ٤٣، ٧٥.
(٣) هو محمد بن أبي بكر بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم، يعرف بابن جماعة، توفي سنة ٨١٩ هـ رحمه الله تعالى. (شذرات الذهب ٧/ ١٣٩، البدر الطالع ٢/ ١٤٨).
(٤) هو تاج الدين أحمد بن محمد النعماني الفرغاني، قاضي بغداد، من ذرية الإمام أبي حنيفة النعمان. برع في فنون وأخذ عنه الأعيان، توفي سنة ٨٣٤ هـ رحمه الله تعالى. (الضوء اللامع ٢/ ٨٢).

<<  <   >  >>