الهبة تصح بالإيجاب والقبول وتتم بالقبض، فإن قبض الموهوب له في المجلس بغير أمر الواهب جاز، وإن قبض بعد الافتراق لم يصح إلا أن يأذن له الواهب في القبض، وتنعقد الهبة بقوله وهبت ونحلت وأعطيتك وأطعمتك هذا الطعام وجعلت هذا الثوب لك وأعمرتك هذا الشيء وحملتك على هذه الدابة إذا نوى بالحملان الهبة، ولا تجوز الهبة فيما ينقسم إلا محوزة مقبوضة مقسومة، وهبة المشاع فيما لا يقسم جائزة، ومن وهب شقصًا مشاعًا فالهبة فاسدة فإن قسمه وسلمه جاز، ولو وهب دقيقًا في حنطة أو دهنًا في سمسم فالهبة فاسدة فإن طحن وسلم لم يجز، وإذا كانت العين في يد الموهوب له ملكها بالهبة وإن لم يجدد فيها قبضًا *، وإذا وهب الأب لابنه الصغير هبة ملكها الابن بالعقد وإن وهب له أجنبي هبة تمت بقبض الأب، وإذا وُهب لليتيم هبة قبضها وليه جاز، فإن كان في حجر أمه فقبْضها له جائز، وكذلك إن كان في حجر أجنبي يربيه فقبضه له جائز، وإن قبض الصبي الهبة بنفسه جاز، وإذا وهب اثنان من واحد دارًا جاز، وإذا وهب واحد من اثنين لم تصح عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد تصح *. وإذا وهب هبة لأجنبي فله الرجوع فيها إلا أن يعوضه عنها أو يزيد زيادة متصلة أو يموت أحد المتعاقدين أو تخرج الهبة من ملك الموهوب له، وإن وهب هبة لذي رحم محرم منه فلا رجوع فيها، وكذلك ما وهبه أحد الزوجين للآخر، وإذا قال الموهوب له للواهب خذ هذا عوضًا عن هبتك أو بدلاً عنها أو في مقابلتها فقبَضه الواهب سقط الرجوع، وإن عوضه أجنبي عن
[كتاب الهبة]
قوله:(وإذا كانت العين الموهوبة في يدِ الموهوب له مَلَكَها بالهبة، وإن لم يجدِّد فيها قبضًا)، قال في "الينابيع": "يريد به إذا كانت العين في يده وديعة أو عارية أو مغصوبة أو مقبوضة بالعقد الفاسد، أما لو كانت في يده رهنًا يحتاج إلى تجديد القبض"، قال الإسبيجابي:"بأن يرجع إلى موضع فيه العين ويمضي وقت يتمكن من قبضها".
قوله:(وإن وهب من اثنين واحد لم يصح عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: يصح)، وقد اتفقوا على ترجيح دليل الإمام، واختار قولَه أبو الفضل المَوْصلي وبرهانُ الأئمة المحبوبي وأبو البركات النسفي.