الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده محمد، وعلى آله وصحبه، وبعد:
فإن الواجب على من أراد أن يعمل لنفسه أو يفتي غيره أن يتبع القول الذي رجّحه علماء مذهبه، ولا يجوز له اختيار أحد القولين أو الوجهين من غير نظر، وهذا مما لا خلاف فيه بين أهل العلم، وأيضًا فإن كلًّا من القاضي والمجتهد لا يحل لهما الحكم أو الإفتاء بغير الراجح؛ لأنَّه اتباع للهوى وهو حرام شرعًا ..
وقد نُقل عن ابن كمال باشا قوله:"لابدّ للمفتي أن يعلم حال من يفتي بقوله. . من حيث مرتبته في الرواية، ودرجته في الدراية، وطبقته من بين طبقات الفقهاء، ليكون على بصيرة وافية في التمييز بين القائلين المتخالفين، وقدرة كافية في الترجيح بين القولين المتعارضين. . .".
هذا، وللتمييز بين الروايات عن صاحب المذهب، والمفاضلة بين أقوال فقهائه، لا بدّ من تحصيل درجة فقهية تعرف عند أهل الاختصاص بطبقة أصحاب الترجيح من المقلّدين كأبي الحسين القُدُوري (- ٤٢٨ هـ) وصاحب الهداية (- ٥٩٣ هـ) وأمثالهما، وشأنهم تفضيل بعض الروايات على بعض آخر، بقولهم: هذا أولى، وهذا أصح رواية، وهذا أوضح دراية، وهذا أوفق للقياس، وهذا أرْفق للناس. . .
وقد التزم هؤلاء في مصنفاتهم وضع القول الصحيح من المذهب، الذي هو ظاهر الرواية، فيكون ما في غيرها مقابل الصحيح، ما لم يصرَّح بتصحيحه، فيقدم عليها لأنها تصحيح صريح فيقدم على التصحيح الالتزامي.