هذا وإن اختلاف الروايتين ليس من باب اختلاف القولين؛ لأن القولين نصّ المجتهد عليهما، بخلاف الروايتين، فالاختلاف في القولين من جهة المنقول عنه لا الناقل، بينما الاختلاف في الروايتين من جهة الناقل لا المنقول عنه.
ولا بد من الإشارة إلى أن كثيرًا من الأحكام التي نصّ عليها المجتهد صاحب المذهب، بناء على ما كان في عرفه وزمانه، قد تغيرت بسبب تغير الزمان، أو فساد أهله، أو عموم الضرورة. . من ذلك إفتاء المتأخرين بجواز الاستئجار لتعليم القرآن. . وعدم الاكتفاء بظاهر العدالة. . وتضمين الأجير المشترك، وإفتاؤهم بتضمين الغاصب عقار الوقف واليتيم. . وغيرها من المسائل المبنية على العرف، لا على الحجّة والبرهان. .
وإن عبارتي (التصحيح) و (الترجيح) مصطلحان فقهيان، يقصد بالأولى منهما ما صح نسبته من الأقوال إلى الإمام أبي حنيفة - رضي الله عنه -، برواية كبار تلاميذه كأبي يوسف ومحمد بن الحسن.
وأما (الترجيح) فيكون ما بين أقوال أصحابه الذين كانت لهم القدم الراسخة في الفقه، حيث تميّز المذهب الحنفي عن سائر المذاهب الفقهية الثلاثة بأنه مذهب جماعي، وإن القضاء أو الإفتاء بمقتضى مذهب الإمام يتعيّن أن يكون بالقول الراجح في المذهب، لذلك كله اقتضى إفراد هذين المصطلحين بمصنف يكون عمدة في هذا الباب.
وقد توجهت عناية العلامة قاسم بن قطلوبغا الحنفي، المتوفى سنة ٨٧٩ هـ، إلى وضع مصنفه "الترجيح والتصحيح" على مختصر القدوري، - الذي يعتبر في مقدمة المتوفى المعتبرة في نقل المذهب - حيث عمد إلى ما ورد فيه من مسائل الخلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه، وبيّن القول الصحيح، المعتمد في المذهب.
وظلّ هذا الكنز مطويًّا في خزائن المخطوطات حوالي خمسة قرون، حتى قيّض الله تعالى له الباحث الفاضل الشيخ ضياء يونس فاختاره ليكون موضوع أطروحته العلمية لنيل درجة الماجستير من المعهد العالي للدراسات الإسلامية