الأسباب الموجبة للحجر ثلاثة: الصغر والرِّق والجنون، ولا يجوز تصرف الصغير إلا بإذن وليه، ولا تصرف العبد إلا بإذن سيده، ولا يجوز تصرف المجنون المغلوب بحال، ومن باع من هؤلاء شيئًا أو اشتراه وهو يعقل البيع ويقصده فالولي بالخيار إن شاء أجازه إذا كان فيه مصلحة وإن شاء فسخه، وهذه المعاني الثلاثة توجب الحجر في الأقوال دون الأفعال، والصبي والمجنون لا يصح عقودهما ولا إقرارهما ولا يقع طلاقهما ولا عتاقهما، وإن أتلفا شيئًا لزمهما ضمانه، وأما العبد فأقواله نافذة في حق نفسه غير نافذة في حق مولاه، فإن أقر بمال لزمه بعد الحرية ولم يلزمه في الحال، وإن أقر بحد أو قصاص لزمه في الحال وينفذ طلاقه، وقال أبو حنيفة: لا يحجر على السفيه * إذا كان عاقلًا بالغًا حرًّا، وتصرفه في ماله جائز وإن كان مبذرًا مفسدًا يتلف ماله فيما لا غرض له فيه ولا مصلحة، إلا أنه قال إذا بلغ الغلام غير رشيد لم يسلَّم إليه ماله حتى يبلغ خمسًا وعشرين سنة، فإن تصرف فيه قبل ذلك نفذ تصرفه، فإذا بلغ خمسًا وعشرين سنة سلم إليه ماله وإن لم يؤنس منه الرشد، وقال أبو يوسف ومحمد: يحجر على السفيه ويمنع من التصرف في ماله، فإن باع لم ينفذ بيعه، وإن كان فيه مصلحة أجازه الحاكم، وإن أعتق عبدًا نفذ عتقه وكان على العبد أن يسعى في قيمته، وإن تزوج امرأة جاز نكاحه، وإن سمى لها مهرًا جاز منه مقدار مهر مثلها وبطل الفضل، وقالا فيمن بلغ خمسًا وعشرين سنة وهو غير رشيد: لا يدفع إليه ماله أبدًا حتى يؤنس رشده، ولا يجوز تصرفه فيه، وتخرج الزكاة من مال السفيه وينفق على أولاده وزوجته ومن تجب عليه نفقته من ذوي أرحامه، فإن أراد حجة الإسلام لم يمنع منها، ولا يسلم القاضي النفقة إليه ويسلمها إلى ثقة من الحاج ينفقها عليه في طريق الحج، فإن مرض فأوصى بوصايا في القرَب وأنواع الخير جاز ذلك في ثلثه. وبلوغ الغلام بالاحتلام والإنزال والإحبال إذا وطئ، فإذا لم يوجد
[كتاب الحجر]
قوله:(قال أبو حنيفة: لا يُحجر على السَّفيه .. الخ)، واعتمد قوله المحبوبي وصدر الشريعة والنسفي وغيرهم، وقال القاضي في كتاب الحيطان (١): "وعندهما يجوز الحجر على الحُرّ، والفتوى على قولهما".
قلت: وهذا تصريح وهو أقوى من الالتزام، والله أعلم. [قلت: وفي
(١) "فتاوى قاضي خان"، كتاب الصلح، باب في الحيطان والطرق ومجاري الماء ٣/ ١١٢.