(٢) قال الإمام الكاساني في "بدائع الصنائع" ٧/ ١٦٩: "اختلف أبو يوسف ومحمد فيما بينهما في السفيه أنه هل يصير محجورًا عليه بنفس السفه، أم يقف الانحجار على حجر القاضي؟ قال أبو يوسف: لا يصير محجورًا إلا بحجر القاضي، وقال محمد: ينحجر بنفس السَّفَه من غير الحاجة إلى حجر القاضي". والمصنف رحمه الله إذ يصرح هنا بأن (التصريح أقوى من الالتزام) ومقتضاه: الأخذ بقول الصاحبين في مسألة الحجر على الحر، فإن رأيه يميل إلى قول أبي يوسف في حق المرأة خاصة، فيرى الحجر عليها إذا حكم القاضي بذلك فقط، أي لا يُحجر عليها بمجرد السفه من غير حاجة إلى حجر القاضي. وعليه فيكون وجه تحسين المؤلف لذلك هو منع أهل الأهواء من إطلاق الحجر على النساء لأيّ سبب، فالقاضي وحده هو صاحب الحق في تقدير سفه المرأة والحجر عليها، والله تعالى أعلم. - وجه آخر في فهم كلام المصنف: ومن الممكن أن يكون مؤدّى اجتهاد المصنف هو تصحيح ما ذهب إليه الإمام أبو حنيفة الذي هو معتمد أصحاب المتون، فهو وإن لم يقل بقول الصاحبين في جواز الحجر على الحر، إلا أنه يأخذ بقول أبي يوسف في جواز حجر الفاضي على المرأة السفيهة. وجاء في تفسير الرازي ٩/ ١٨٦ حول معنى السفه: قال الإمام الشافعي رحمه الله: "البالغ إذا كان مبذرًا للمال مفسدًا له يحجر عليه لأنَّه سفيه، والسفيه في اللغة هو من خف وزنه، ولا شك أن من كان مبذرًا للمال مفسدًا له من غير فائدة فإنه لا يكون له في القلب وقع عند العقلاء فكان خفيف الوزن عندهم، فوجب أن يسمى بالسفيه، وإذا ثبت هذا لزم اندراجه تحت قوله تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ}. وفي مذهب المالكية وهو رواية عن الإمام أحمد أنه يحجر عن المرأة المتزوجة الحرة الرشيدة في التصرف بغير عوض كالهبة والكفالة فيما زاد على ثلث مالها، ويكون تبرعها بزائد على الثلث نافذًا حتى يردّ الزوج جميعه أو ما شاء منه، على المشهور عند المالكية. (انظر الفقه الإسلامي وأدلته ٦/ ٤٥٠٥، ٤٥٠٦، وتفسير الإمام الرازي ٩/ ١٨٥ عند تفسير قوله تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قيامًا} .. ). (٣) انظر "كنز الدقائق" (مع تبيين الحقائق) ٥/ ٢٠٣.