للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما قلّ العلم، وأشرف على التبدّد، واحتيج إلى ضرب من التقليد، وأن الفقيه يتبع من هو أفقه منه، وإن تشاركا في أصل النظر، اعتني بالراجح" (١).

وقد تصدى العلماء قديمًا لبيان الراجح وعلامات الترجيح ووضعوا ضوابط يعرف بها القول المعتمد للفتوى من بين أقوال الأئمة، وهو ما سمي برسم المفتي، أي العلامة التي تدل المفتي على ما يفتي به (٢).

وكان من أوائل من كتب في ذلك: العلامة الحسن بن منصور الأُوزْجَنْدي المعروف بقاضي خان (-٥٩٢ هـ)، في مقدمة فتاواه المشهورة. وأتى من بعده العلامة ابن قطلوبغا ليزيد الموضوع توضيحًا وتنقيحًا في مقدمة كتابه "التصحيح" هذا.

أما الذي توسّع في الموضوع وحقّقه، وأبرزه بمؤلف خاص، فهو العلامة المحقق محمد أمين بن عابدين في منظومته: "عقود رسم المفتي" وشرْحها، فقد جمع في هذه الرسالة ما يعتبر من علامات الفتوى وقواعد الترجيح والإفتاء بالأقوى، وغير ذلك. . مستفيدًا ممّن سبقه من الفقهاء، حتى كانت رسالته هي الغاية في الموضوع، وصار عليها اعتماد كل من جاء بعده.

وسأتبع فيما يلي القواعد الأساسية المتبعة في الترجيح معتمدًا فيها على ما جاء في مقدمة "التصحيح"، تاركًا التفصيل لمظانّه، إلا أني سأبرز مواضع الخلاف، عند اختلاف مناهج الترجيح بين المصنِّف وغيره، وذلك في حِينِه، إن شاء الله تعالى.

يقول المصنف في مقدمة كتابه: "قال بعض من لا يدري مراد العلماء: قد قالوا إن الإمام متى كان في جانب وهما في جانب فالمفتي والقاضي بالخيار، فقلت: ليس كما توهّم. ."، ثم أثبت رحمه الله المعاني الآتية:

- المفتي في المذهب إما أن يكون مجتهدًا أو لا.

- والمسألة؛ إما أن ترِد في ظاهر الرواية أو لا.


(١) "تصحيح التنبيه" للنووي، مقدمة المحقق ١/ ٤٥، ٤٦، نقلا عن "ترشيح التوشيح" للسبكي، (وهو كتاب مخطوط في المكتبة الظاهرية، بدمشق، رقم ٣٧٨، فقه شافعي).
(٢) "رد المحتار" ١/ ٤٧.

<<  <   >  >>